الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        5961 باب حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا عبيد الله بن عمر حدثني سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره فإنه لا يدري ما خلفه عليه ثم يقول باسمك رب وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين تابعه أبو ضمرة وإسماعيل بن زكرياء عن عبيد الله وقال يحيى وبشر عن عبيد الله عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه مالك وابن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        9451 قوله ( باب ) كذا للأكثر بغير ترجمة وسقط لبعضهم وعليه شرح ابن بطال ومن تبعه والراجح إثباته ومناسبته لما قبله عموم الذكر عند النوم وعلى إسقاطه فهو كالفصل من الباب الذي قبله لأن في الحديث معنى التعويذ وإن لم يكن بلفظه

                                                                                                                                                                                                        قوله : زهير هو ابن معاوية أبو خيثمة الجعفي وعبيد الله بن عمر هو العمري ، وهو تابعي صغير وشيخه تابعي وسط وأبوه تابعي كبير ففيه ثلاثة من التابعين في نسق مدنيون

                                                                                                                                                                                                        قوله إذا أوى بالقصر وقد تقدم بيانه قريبا

                                                                                                                                                                                                        قوله ( فلينفض فراشه بداخلة إزاره ) كذا للأكثر وفي رواية أبي زيد المروزي " بداخل " بلا هاء ووقع في رواية مالك الآتية في التوحيد " بصنفة ثوبه " وكذا للطبراني من وجه آخر وهي بفتح الصاد المهملة وكسر النون بعدها فاء هي الحاشية التي تلي الجلد والمراد بالداخلة طرف الإزار الذي يلي الجسد قال مالك : داخلة الإزار ما يلي داخل الجسد منه ووقع في رواية عبدة بن سليمان عن عبيد الله بن عمر عند مسلم فليحل داخلة إزاره فلينفض بها فراشه وفي رواية يحيى القطان كما سيأتي " فلينزع " وقال عياض : داخلة الإزار في هذا الحديث طرفه وداخلة الإزار في حديث الذي أصيب بالعين ما يليها من الجسد وقيل كنى بها عن الذكر وقيل عن الورك وحكى بعضهم أنه على ظاهره وأنه أمر بغسل طرف ثوبه والأول هو الصواب .

                                                                                                                                                                                                        وقال القرطبي في " المفهم " حكمة هذا النفض قد ذكرت في الحديث وأما اختصاص النفض بداخلة الإزار فلم يظهر لنا ويقع لي أن في ذلك خاصية طبية تمنع من قرب بعض الحيوانات كما أمر بذلك العائن ويؤيده ما وقع في بعض طرقه " فلينفض بها ثلاثا " فحذا بها حذو الرقى في التكرير انتهى وقد أبدى غيره حكمة ذلك وأشار الداودي فيما نقله ابن التين إلى أن الحكمة في ذلك أن الإزار يستر بالثياب فيتوارى بما يناله من الوسخ فلو نال ذلك بكمه صار غير لدن الثوب والله يحب إذا عمل العبد عملا أن يحسنه وقال صاحب النهاية إنما أمر بداخلته دون خارجته لأن المؤتزر يأخذ طرفي إزاره بيمينه وشماله ويلصق ما بشماله وهو الطرف الداخلي على جسده ويضع ما بيمينه فوق الأخرى فمتى عاجله أمر أو خشي سقوط إزاره أمسكه بشماله ودفع عن نفسه بيمينه فإذا صار إلى فراشه فحل إزاره فإنه يحل بيمينه خارج الإزار وتبقى الداخلة معلقة وبها يقع النفض وقال البيضاوي : إنما أمر بالنفض بها لأن الذي يريد النوم يحل بيمينه خارج الإزار وتبقى الداخلة معلقة فينفض بها وأشار الكرماني إلى أن [ ص: 131 ] الحكمة فيه أن تكون يده حين النفض مستورة لئلا يكون هناك شيء فيحصل في يده ما يكره انتهى وهي حكمة النفض بطرف الثوب دون اليد لا خصوص الداخلة

                                                                                                                                                                                                        قوله ( فإنه لا يدري ما خلفه عليه ) بتخفيف اللام أي حدث بعده فيه وهي رواية ابن عجلان عند الترمذي ، وفي رواية عبدة " فإنه لا يدري من خلفه في فراشه " وزاد في روايته " ثم ليضطجع على شقه الأيمن " وفي رواية يحيى القطان " ثم ليتوسد بيمينه " ووقع في رواية أبي ضمرة في " الأدب المفرد " : وليسم الله فإنه لا يعلم ما خلفه بعده على فراشه " أي ما صار بعده خلفا وبدلا عنه إذا غاب قال الطيبي : معناه لا يدري ما وقع في فراشه بعدما خرج منه من تراب أو قذاة أو هوام

                                                                                                                                                                                                        قوله ( ثم يقول باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه في رواية عبدة " ثم ليقل " بصيغة الأمر وفي رواية يحيى القطان " اللهم باسمك " وفي رواية أبي ضمرة ثم يقول سبحانك ربي وضعت جنبي

                                                                                                                                                                                                        قوله إن أمسكت في رواية يحيى القطان " اللهم إن أمسكت " وفي رواية ابن عجلان " اللهم فإن أمسكت " وفي رواية عبدة " فإن احتبست "

                                                                                                                                                                                                        قوله ( فارحمها ) في رواية مالك " فاغفر لها " وكذا في رواية ابن عجلان عند الترمذي قال الكرماني : الإمساك كناية عن الموت فالرحمة أو المغفرة تناسبه والإرسال كناية عن استمرار البقاء والحفظ يناسبه قال الطيبي : هذا الحديث موافق لقوله - تعالى - الله يتوفى الأنفس حين موتها الآية ، قلت ووقع التصريح بالموت والحياة في رواية عبد الله بن الحارث عن ابن عمر رضي الله عنهما " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر رجلا إذا أخذ مضجعه أن يقول اللهم أنت خلقت نفسي وأنت تتوفاها لك مماتها ومحياها إن أحييتها فاحفظها وإن أمتها فاغفر لها أخرجه النسائي وصححه ابن حبان .

                                                                                                                                                                                                        قوله : بما تحفظ به عبادك الصالحين قال الطيبي : هذه الباء هي مثل الباء في قولك كتبت بالقلم وما مبهمة وبيانها ما دلت عليه صلتها وزاد ابن عجلان عند الترمذي في آخره شيئا لم أره عند غيره وهو قوله وإذا استيقظ فليقل الحمد لله الذي عافاني في جسدي ورد إلي روحي وهو يشير إلى ما ذكره الكرماني . وقد نقلت قول الزجاج في ذلك في أواخر الكلام على حديث البراء فيما مضى قريبا وكذلك كلام الطيبي .

                                                                                                                                                                                                        قال ابن بطال : في هذا الحديث أدب عظيم وقد ذكر حكمته في الخبر وهو خشية أن يأوي إلى فراشه بعض الهوام الضارة فتؤذيه وقال القرطبي : يؤخذ من هذا الحديث أنه ينبغي لمن أراد المنام أن يمسح فراشه لاحتمال أن يكون فيه شيء يخفى من رطوبة أو غيرها وقال ابن العربي : هذا من الحذر ومن النظر في أسباب دفع سوء القدر أو هو من الحديث الآخر اعقلها وتوكل . قلت ومما ورد ما يقال عند النوم حديث أنس " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أوى إلى فراشه قال الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي أخرجه مسلم والثلاثة ولأبي داود من حديث ابن عمر نحوه وزاد والذي من علي فأفضل والذي أعطاني فأجزل ولأبي داود والنسائي من حديث علي " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول عند مضجعه اللهم إني أعوذ بوجهك الكريم وكلماتك التامة من شر ما أنت آخذ بناصيته اللهم أنت تكشف المأثم والمغرم اللهم لا يهزم جندك ولا يخلف وعدك ولا ينفع ذا الجد منك الجد سبحانك وبحمدك ولأبي داود من حديث أبي الأزهر الأنماري " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول إذا أخذ مضجعه من الليل بسم الله [ ص: 132 ] وضعت جنبي اللهم اغفر لي ذنبي وأخسئ شيطاني وفك رهاني واجعلني في النداء الأعلى وصححه الحاكم والترمذي وحسنه من حديث أبي سعيد رفعه من قال حين يأوي إلى فراشه أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات غفرت له ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر وإن كانت عدد رمل عالج وإن كانت عدد أيام الدنيا ولأبي داود والنسائي من حديث حفصة " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن يرقد وضع يده اليمنى تحت خده ثم يقول اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك ثلاثا " وأخرجه الترمذي من حديث البراء وحسنه ومن حديث حذيفة وصححه

                                                                                                                                                                                                        قوله تابعه أبو ضمرة وإسماعيل بن زكريا عن عبيد الله هو ابن عمر المذكور في الإسناد وأبو ضمرة هو أنس بن عياض ومراده أنهما تابعا زهير بن معاوية في إدخال الواسطة بين سعيد المقبري وأبي هريرة فأما متابعة أبي ضمرة فوصلها مسلم والبخاري في " الأدب المفرد " وأما متابعة إسماعيل بن زكريا فوصلها الحارث بن أبي أسامة عن يونس بن محمد عنه كذا رأيته في شرح مغلطاي وكنت وقفت عليها في " الأوسط للطبراني " وأوردتها منه في " تعليق التعليق " ثم خفي علي مكانها الآن .

                                                                                                                                                                                                        ووقع عند أبي نعيم في " المستخرج " هنا وعبدة وهو ابن سليمان ولم أرها لغيره فإن كانت ثابتة فإنها عند مسلم موصولة وقد ذكر الإسماعيلي أن الأكثر لم يقولوا في السند " عن أبيه " وأن عبد الله بن رجاء رواه عن إسماعيل بن أمية وعبيد الله بن عمر عن سعيد عن أبيه أو عن أخيه عن أبي هريرة ثم ساقه بسنده إليه وهذا الشك لا تأثير له لاتفاق الجماعة على أنه ليس لأخي سعيد فيه ذكر واسم أخي سعيد المذكور عباد .

                                                                                                                                                                                                        وذكر الدارقطني أن أبا بدر شجاع بن الوليد والحسن بن صالح وهريما وهو بالراء المهملة مصغر ابن سفيان وجعفر بن زياد وخالد بن حميد تابعوا زهير بن معاوية في قوله فيه " عن أبيه "

                                                                                                                                                                                                        قوله وقال يحيى بن سعيد هو القطان ( وبشر بن المفضل عن عبيد الله عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أما رواية يحيى القطان فوصلها النسائي ، وأما رواية بشر بن المفضل فأخرجها مسدد في مسنده الكبير عنه وذكر الدارقطني أن هشام بن حسان ومعتمر بن سليمان وعبد الله بن كثير رووه عن عبيد الله بن عمر كذلك وكذا ذكر الإسماعيلي أن عبد الله بن نمير والطبراني أن معتمر بن سليمان ويحيى بن سعيد الأموي وأبا أسامة رووه كلهم عن عبيد الله بن عمر كذلك وأشار البخاري بقوله " عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " إلى أن بعضهم رواه عن عبيد الله عن سعيد عن أبي هريرة موقوفا منهم هشام بن حسان والحمادان وابن المبارك وبشر بن المفضل ذكره الدارقطني قلت فلعله اختلف على بشر في وقفه ورفعه وكذا على هشام بن حسان . ورواية ابن المبارك وصلها النسائي موقوفة

                                                                                                                                                                                                        قوله ورواه مالك وابن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أما رواية مالك فوصلها المصنف في كتاب التوحيد عن عبد العزيز بن عبد الله الأويسي عنه وقصر مغلطاي فعزاها لتخريج الدارقطني في غرائب مالك مع وجودها في الصحيح الذي شرحه وتبعه شيخنا ابن الملقن . وقد ذكر المصنف في التوحيد أكثر هذه التعاليق المذكورة هنا أيضا عقب رواية مالك ولما ذكر الدارقطني حديث مالك المذكور قال هذا حديث غريب لا أعلم أسنده عن مالك إلا الأويسي ورواه إبراهيم بن طهمان عن مالك عن سعيد مرسلا وأما رواية محمد بن عجلان فوصلها أحمد عنه ووصلها أيضا الترمذي والنسائي والطبراني في الدعاء من طرق عنه وقد ذكرت الزيادة التي عند الترمذي فيه قبل

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 133 ] ( تنبيه ) :

                                                                                                                                                                                                        قال الكرماني عبر أولا بقوله : تابعه " ثم بقوله : وقال " لأنهما للتحمل وعبر بقوله " رواه " لأنها تستعمل عند المذاكرة قلت وهذا ليس بمطرد لما بينت أنه وصل رواية مالك في كتاب التوحيد بصيغة التحمل وهي " حدثنا " لا بصيغة المذاكرة كقال وروى إن سلمنا أن ذلك للمذاكرة والله أعلم




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية