الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        606 حدثنا مسدد قال أخبرنا يحيى عن عبيد الله بن عمر قال حدثني نافع قال أذن ابن عمر في ليلة باردة بضجنان ثم قال صلوا في رحالكم فأخبرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر مؤذنا يؤذن ثم يقول على إثره ألا صلوا في الرحال في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا يحيى ) هو القطان .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( بضجنان ) هو بفتح الضاد المعجمة وبالجيم بعدها نون على وزن فعلان غير مصروف ، قال صاحب الصحاح وغيره : هو جبل بناحية مكة . وقال أبو موسى في ذيل الغريبين : هو موضع أو جبل بين مكة والمدينة . وقال صاحب المشارق ومن تبعه : هو جبل على بريد من مكة . وقال صاحب الفائق : بينه وبين مكة خمسة وعشرون ميلا ، وبينه وبين وادي مريسعة أميال . انتهى . وهذا القدر أكثر من بريدين . وضبطه بالأميال يدل على مزيد اعتناء ، وصاحب الفائق ممن شاهد تلك الأماكن واعتنى بها ، خلاف من تقدم ذكره ممن لم يرها أصلا . ويؤيده ما حكاه أبو عبيد البكري قال : وبين قديد وضجنان يوم . قال معبد الخزاعي :

                                                                                                                                                                                                        قد جعلت ماء قديد موعدي وماء ضجنان لها ضحى الغد

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وأخبرنا ) أي ابن عمر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كان يأمر مؤذنا ) في رواية مسلم كان يأمر المؤذن .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 134 ] قوله : ( ثم يقول على أثره ) صريح في أن القول المذكور كان بعد فراغ الأذان ، وقال القرطبي : لما ذكر رواية مسلم بلفظ " يقول في آخر ندائه " يحتمل أن يكون المراد في آخره قبيل الفراغ منه ، جمعا بينه وبين حديث ابن عباس . انتهى . وقد قدمنا في " باب الكلام في الأذان " عن ابن خزيمة أنه حمل حديث ابن عباس على ظاهره ، وأن ذلك يقال بدلا من الحيعلة نظرا إلى المعنى لأن معنى " حي على الصلاة " هلموا إليها ، ومعنى " الصلاة في الرحال " تأخروا عن المجيء ولا يناسب إيراد اللفظين معا لأن أحدهما نقيض الآخر اهـ . ويمكن الجمع بينهما ، ولا يلزم منه ما ذكر بأن يكون معنى الصلاة في الرحال رخصة لمن أراد أن يترخص ، ومعنى هلموا إلى الصلاة ندب لمن أراد أن يستكمل الفضيلة ولو تحمل المشقة . ويؤيد ذلك حديث جابر عند مسلم قال : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر ، فمطرنا ، فقال : ليصل من شاء منكم في رحله .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( في الليلة الباردة أو المطيرة ) قال الكرماني فعيلة بمعنى فاعلة ، وإسناد المطر إليها مجاز ، ولا يقال إنها بمعنى مفعولة - أي ممطور فيها - لوجود الهاء في قوله مطيرة إذ لا يصح ممطورة فيها اهـ . ملخصا . وقوله : ( أو ) للتنويع لا للشك ، وفي صحيح أبي عوانة " ليلة باردة أو ذات مطر أو ذات ريح " ودل ذلك على أن كلا من الثلاثة عذر في التأخر عن الجماعة ، ونقل ابن بطال فيه الإجماع ، لكن المعروف عند الشافعية أن الريح عذر في الليل فقط ، وظاهر الحديث اختصاص الثلاثة بالليل ، لكن في السنن من طريق ابن إسحاق عن نافع في هذا الحديث " في الليلة المطيرة والغداة القرة " ، وفيها بإسناد صحيح من حديث أبي المليح عن أبيه " أنهم مطروا يوما فرخص لهم ولم أر في شيء من الأحاديث الترخص بعذر الريح في النهار صريحا ، لكن القيام يقتضي إلحاقه ، وقد نقله ابن الرفعة وجها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( في السفر ) ظاهره اختصاص ذلك بالسفر ، ورواية مالك عن نافع الآتية في أبواب صلاة الجماعة مطلقة ، وبها أخذ الجمهور ، لكن قاعدة حمل المطلق على المقيد تقتضي أن يختص ذلك بالمسافر مطلقا ، ويلحق به من تلحقه بذلك مشقة في الحضر دون من لا تلحقه ، والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية