الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        6174 حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي قال حدثني الأعمش قال حدثني خيثمة عن عدي بن حاتم قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ما منكم من أحد إلا وسيكلمه الله يوم القيامة ليس بين الله وبينه ترجمان ثم ينظر فلا يرى شيئا قدامه ثم ينظر بين يديه فتستقبله النار فمن استطاع منكم أن يتقي النار ولو بشق تمرة قال الأعمش حدثني عمرو عن خيثمة عن عدي بن حاتم قال قال النبي صلى الله عليه وسلم اتقوا النار ثم أعرض وأشاح ثم قال اتقوا النار ثم أعرض وأشاح ثلاثا حتى ظننا أنه ينظر إليها ثم قال اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        9770 الحديث الثالث قوله حدثني خيثمة ) بفتح المعجمة وسكون التحتانية بعدها مثلثة هو ابن عبد الرحمن الجعفي .

                                                                                                                                                                                                        قوله عن عدي بن حاتم هو الطائي .

                                                                                                                                                                                                        قوله ما منكم من أحد ظاهر الخطاب للصحابة ويلتحق بهم المؤمنون كلهم سابقهم ومقصرهم أشار إلى ذلك ابن أبي جمرة .

                                                                                                                                                                                                        قوله إلا سيكلمه الله في رواية وكيع عن الأعمش عنه ابن ماجه " سيكلمه ربه "

                                                                                                                                                                                                        قوله ليس بينه وبينه ترجمان ) لم يذكر في هذه الرواية ما يقول وبينه في رواية محل بن خليفة عن عدي بن حاتم في الزكاة بلفظ " ثم ليقفن أحدكم بين يدي الله ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان يترجم له ثم ليقولن له ألم أوتك مالا ؟ فيقول بلى الحديث والترجمان تقدم ضبطه في بدء الوحي في شرح قصة هرقل

                                                                                                                                                                                                        قوله ثم ينظر فلا يرى قدامه بضم القاف وتشديد الدال أي أمامه ووقع في رواية عيسى بن يونس عن الأعمش في التوحيد وعند مسلم بلفظ " فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدمه ، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم وأخرجه الترمذي من رواية أبي معاوية بلفظ " فلا يرى شيئا إلا شيئا قدمه " وفي رواية محل بن خليفة فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار وينظر عن شماله فلا يرى إلا النار وهذه الرواية مختصرة ورواية خيثمة مفسرة فهي المعتمدة في ذلك وقوله أيمن وأشأم بالنصب فيهما على الظرفية والمراد بهما اليمين والشمال قال ابن هبيرة : نظر اليمين والشمال هنا كالمثل لأن الإنسان من شأنه إذا دهمه أمر أن يلتفت يمينا وشمالا يطلب الغوث

                                                                                                                                                                                                        قلت ويحتمل أن يكون سبب الالتفات أنه يترجى أن يجد طريقا يذهب فيها ليحصل له النجاة من النار فلا يرى إلا ما يفضي به إلى النار كما وقع في رواية محل بن خليفة

                                                                                                                                                                                                        قوله ثم ينظر بين يديه فتستقبله النار ) في رواية عيسى " وينظر بين يده فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه " وفي رواية أبي معاوية " ينظر تلقاء وجهه فتستقبله النار " قال ابن هبيرة : والسبب في ذلك أن النار تكون في ممره فلا يمكنه أن يحيد عنها إذ لا بد له من المرور على الصراط

                                                                                                                                                                                                        قوله فمن استطاع منكم أن يتقي النار ولو بشق تمرة زاد وكيع في روايته " فليفعل " وفي رواية أبي معاوية أن يقي وجهه النار ولو بشق تمرة فليفعل وفي رواية عيسى " فاتقوا النار ولو بشق تمرة أي اجعلوا بينكم وبينها وقاية من الصدقة وعمل البر ولو بشيء يسير

                                                                                                                                                                                                        قوله قال الأعمش ) هو موصول بالسند المذكور وقد أخرجه مسلم من رواية معاوية عن الأعمش كذلك وبين عيسى بن يونس في روايته أن القدر الذي زاده عمرو بن مرة للأعمش في حديثه عن خيثمة قوله في آخره فمن لم يجد فبكلمة طيبة وقد مضى الحديث بأتم سياقا من هذا في رواية محل بن خليفة في الزكاة

                                                                                                                                                                                                        قوله حدثني عمرو هو ابن مرة وصرح به في رواية عيسى بن يونس .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 413 ] قوله اتقوا النار ثم أعرض وأشاح بشين معجمة وحاء مهملة أي أظهر الحذر منها وقال الخليلي أشاح بوجهه عن الشيء نحاه عنه وقال الفراء المشيح الحذر والجاد في الأمر والمقبل في خطابه فيصح أحد هذه المعاني أو كلها أي حذر النار كأنه ينظر إليها أو جد على الوصية باتقائها أو أقبل على أصحابه في خطابه بعد أن أعرض عن النار لما ذكرها وحكى ابن التين أن معنى أشاح صد وانكمش وقيل صرف وجهه كالخائف أن تناله

                                                                                                                                                                                                        قلت والأول أوجه لأنه قد حصل من قوله : أعرض ووقع في رواية أبي معاوية في أوله ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النار فأعرض وأشاح ثم قال اتقوا النار .

                                                                                                                                                                                                        قوله ثلاثا في رواية أبي معاوية " ثم قال اتقوا النار وأعرض وأشاح حتى ظننا أنه كان ينظر إليها وكذا أخرجه الإسماعيلي من رواية جرير عن الأعمش ، قال ابن هبيرة وابن أبي جمرة في حديث إن الله يكلم عباده المؤمنين في الدار الآخرة بغير واسطة : وفيه الحث على الصدقة . قال ابن أبي جمرة وفيه دليل على قبول الصدقة ولو قلت وقد قيدت في الحديث بالكسب الطيب . وفيه إشارة إلى ترك احتقار القليل من الصدقة وغيرها . وفيه حجة لأهل الزهد حيث قالوا الملتفت هالك يؤخذ من أن نظر المذكور عن يمينه وعن شماله فيه صورة الالتفات فلذا لما نظر أمامه استقبلته النار وفيه دليل على قرب النار من أهل الموقف وقد أخرج البيهقي في البعث من مرسل عبد الله بن باباه بسند رجاله ثقات رفعه كأني أراكم بالكوم جثى من دون جهنم وقوله : جثى " بضم الجيم بعدها مثلثة مقصور جمع جاث والكوم بفتح الكاف والواو الساكنة المكان العالي الذي تكون عليه أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - كما ثبت في حديث كعب بن مالك عند مسلم أنهم يكونون يوم القيامة على تل عال وفيه أن احتجاب الله عن عباده ليس بحائل حسي بل بأمر معنوي يتعلق بقدرته يؤخذ من قوله ثم ينظر فلا يرى قدامه شيئا وقال ابن هبيرة المراد بالكلمة الطيبة هنا يدل على هدى أو يرد عن ردى أو يصلح بين اثنين أو يفصل بين متنازعين أو يحل مشكلا أو يكشف غامضا أو يدفع ثائرا أو يسكن غضبا والله سبحانه وتعالى أعلم




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية