الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        6182 حدثنا معاذ بن أسد أخبرنا عبد الله أخبرنا عمر بن محمد بن زيد عن أبيه أنه حدثه عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ثم يذبح ثم ينادي مناد يا أهل الجنة لا موت ويا أهل النار لا موت فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        9780 الحديث الثالث قوله : عبد الله ) هو ابن المبارك وعمر بن محمد بن زيد أي ابن عبد الله بن عمر

                                                                                                                                                                                                        قوله إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار في رواية ابن وهب عن عمران بن محمد عند مسلم " وصار أهل النار إلى النار "

                                                                                                                                                                                                        قوله جيء بالموت ) تقدم في تفسير سورة مريم من حديث أبي سعيد يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح وذكر مقاتل والكلبي في تفسيرهما في قوله - تعالى - الذي خلق الموت والحياة قال خلق الموت في صورة كبش لا يمر على أحد إلا مات وخلق الحياة على صورة فرس لا يمر على شيء إلا حيا قال القرطبي : الحكمة في الإتيان بالموت هكذا الإشارة إلى أنهم حصل لهم الفداء له كما فدي ولد إبراهيم بالكبش وفي الأملح إشارة إلى صفتي أهل الجنة والنار لأن الأملح ما فيه بياض وسواد

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 428 ] قوله حتى يجعل بين الجنة والنار وقع للترمذي من حديث أبي هريرة " فيوقف على السور الذي بين الجنة والنار "

                                                                                                                                                                                                        قوله ثم يذبح لم يسم من ذبحه ونقل القرطبي عن بعض الصوفية أن الذي يذبحه يحيى بن زكريا بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - إشارة إلى دوام الحياة وعن بعض التصانيف أنه جبريل . قلت هو في تفسير إسماعيل بن أبي زياد الشامي أحد الضعفاء في آخر حديث الصور الطويل فقال فيه فيحيي الله - تعالى - ملك الموت وجبريل وميكائيل وإسرافيل ويجعل الموت في صورة كبش أملح فيذبح جبريل الكبش وهو الموت "

                                                                                                                                                                                                        قوله ثم ينادي مناد لم أقف على تسميته وتقدم في الباب الذي قبله من وجه آخر عن ابن عمر بلفظ " ثم يقوم مؤذن بينهم " وفي حديث أبي سعيد بعد قوله أملح " فينادي مناد " وظاهره أن الذبح يقع بعد النداء والذي هنا يقتضي أن النداء بعد الذبح ولا منافاة بينهما فإن النداء الذي قبل الذبح للتنبيه على رؤية الكبش والذي بعد الذبح للتنبيه على إعدامه وأنه لا يعود

                                                                                                                                                                                                        قوله يا أهل الجنة لا موت زاد في الباب الماضي " خلود " وقع في حديث أبي سعيد فينادي مناد يا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون فيقول هل تعرفون هذا ؟ فيقولون : نعم وكلهم قد رآه وعرفه وذكر في أهل النار مثله قال " فيذبح ثم يقول - أي المنادي - يا أهل الجنة خلود فلا موت الحديث ، وفي آخره " ثم قرأ وأنذرهم يوم الحسرة إلى آخر الآية " وعند الترمذي في آخر حديث أبي سعيد فلو أن أحدا مات فرحا لمات أهل الجنة ولو أن أحدا مات حزنا لمات أهل النار وقوله " فيشرئبون " بفتح أوله وسكون المعجمة وفتح الراء بعدها تحتانية مهموزة ثم موحدة ثقيلة أي يمدون أعناقهم ويرفعون رءوسهم للنظر .

                                                                                                                                                                                                        ووقع عند ابن ماجه وفي صحيح ابن حبان من وجه آخر عن أبي هريرة فيوقف على الصراط فيقال يا أهل الجنة فيطلعون خائفين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه ثم يقال يا أهل النار فيطلعون فرحين مستبشرين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه وفي آخره ثم يقال للفريقين كلاهما خلود فيما تجدون لا موت فيه أبدا وفي رواية الترمذي فيقال لأهل الجنة وأهل النار هل تعرفون هذا ؟ فيقولون قد عرفناه هو الموت الذي وكل بنا فيضجع فيذبح ذبحا على السور قال القاضي أبو بكر بن العربي : استشكل هذا الحديث لكونه يخالف صريح العقل لأن الموت عرض والعرض لا ينقلب جسما فكيف يذبح ؟ فأنكرت طائفة صحة هذا الحديث ودفعته وتأولته طائفة فقالوا هذا تمثيل ولا ذبح هناك حقيقة وقالت طائفة بل الذبح على حقيقته والمذبوح متولي الموت وكلهم يعرفه لأنه الذي تولى قبض أرواحهم

                                                                                                                                                                                                        قلت وارتضى هذا بعض المتأخرين وحمل قوله " هو الموت الذي وكل بنا " على أن المراد به ملك الموت لأنه هو الذي وكل بهم في الدنيا كما قال - تعالى - في سورة الم السجدة واستشهد له من حيث المعنى بأن ملك الموت لو استمر حيا لنغص عيش أهل الجنة وأيده بقوله في حديث الباب فيزداد أهل الجنة فرحا إلى فرحهم ويزداد أهل النار حزنا إلى حزنهم وتعقب بأن الجنة لا حزن فيها ألبتة وما وقع في رواية ابن حبان أنهم يطلعون خائفين إنما هو توهم لا يستقر ولا يلزم من زيادة الفرح ثبوت الحزن بل التعبير بالزيادة إشارة إلى أن الفرح لم يزل كما أن أهل النار يزداد حزنهم ولم يكن عندهم فرح إلا مجرد التوهم الذي لم يستقر وقد تقدم في " باب نفخ الصور " عند نقل الخلاف في المراد بالمستثنى في قوله - تعالى - فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله قول من زعم أن ملك الموت منهم ووقع عند علي بن معبد من حديث أنس : ثم يأتي ملك الموت فيقول رب بقيت أنت الحي القيوم الذي لا يموت وبقيت أنا فيقول أنت خلق من [ ص: 429 ] خلقي فمت ثم لا تحيا فيموت وأخرج ابن أبي الدنيا من طريق محمد بن كعب القرظي قال بلغني أن آخر من يموت من الخلائق ملك الموت فيقال له : يا ملك الموت مت موتا لا تحيا بعده أبدا . فهذا لو كان ثابتا لكان حجة في الرد على من زعم أنه الذي يذبح لكونه مات قبل ذلك موتا لا حياة بعده لكنه لم يثبت

                                                                                                                                                                                                        وقال المازري : الموت عندنا عرض من الأعراض وعند المعتزلة ليس بمعنى وعلى المذهبين لا يصح أن يكون كبشا ولا جسما وأن المراد بهذا التمثيل والتشبيه ثم قال وقد يخلق الله - تعالى - هذا الجسم ثم يذبح ثم يجعل مثالا لأن الموت لا يطرأ على أهل الجنة وقال القرطبي في التذكرة الموت معنى والمعاني لا تنقلب جوهرا وإنما يخلق الله أشخاصا من ثواب الأعمال وكذا الموت يخلق الله كبشا يسميه الموت ويلقي في قلوب الفريقين أن هذا الموت يكون ذبحه دليلا على الخلود في الدارين وقال غيره لا مانع أن ينشئ الله من الأعراض أجسادا يجعلها مادة لها كما ثبت في صحيح مسلم في حديث إن البقرة وآل عمران يجيئان كأنهما غمامتان ونحو ذلك من الأحاديث

                                                                                                                                                                                                        قال القرطبي : وفي هذه الأحاديث التصريح بأن خلود أهل النار فيها لا إلى غاية أمد وإقامتهم فيها على الدوام بلا موت ولا حياة نافعة ولا راحة كما قال - تعالى - لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها وقال - تعالى - كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها قال فمن زعم أنهم يخرجون منها وأنها تبقى خالية أو أنها تفنى وتزول فهو خارج عن مقتضى ما جاء به الرسول وأجمع عليه أهل السنة قلت جمع بعض المتأخرين في هذه المسألة سبعة أقوال أحدها هذا الذي نقل فيه الإجماع والثاني يعذبون فيها إلى أن تنقلب طبيعتهم فتصير نارية حتى يتلذذوا بها لموافقة طبعهم وهذا قول بعض من ينسب إلى التصوف من الزنادقة والثالث يدخلها قوم ويخلفهم آخرون كما ثبت في الصحيح عن اليهود وقد أكذبهم الله - تعالى - بقوله وما هم بخارجين من النار ، والرابع يخرجون منها وتستمر هي على حالها الخامس تفنى لأنها حادثة وكل حادث يفنى وهو قول الجهمية والسادس تفنى حركاتهم ألبتة وهو قول أبي الهذيل العلاف من المعتزلة والسابع يزول عذابها ويخرج أهلها منها جاء ذلك عن بعض الصحابة أخرجه عبد بن حميد في تفسيره من رواية الحسن عن عمر قوله وهو منقطع ولفظه لو لبث أهل النار في النار عدد رمل عالج لكان لهم يوم يخرجون فيه وعن ابن مسعود ليأتين عليها زمان ليس فيها أحد قال عبيد الله بن معاذ راويه كان أصحابنا يقولون يعني به الموحدين . قلت وهذا الأثر عن عمر لو ثبت حمل على الموحدين وقد مال بعض المتأخرين إلى هذا القول السابع ونصره بعدة أوجه من جهة النظر وهو مذهب رديء مردود على قائله وقد أطنب السبكي الكبير في بيان وهائه فأجاد




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية