الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        6196 حدثنا إبراهيم بن حمزة حدثنا ابن أبي حازم والدراوردي عن يزيد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر عنده عمه أبو طالب فقال لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه أم دماغه

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        " 9793 الحديث السادس عشر حديث أبي سعيد في ذكر أبي طالب ، تقدم في قصة أبي طالب من طريق الليث حدثني ابن الهاد وعطف عليه السند المذكور هنا واختصر المتن ويزيد المذكور هنا هو ابن الهاد المذكور هناك واسم كل من ابن أبي حازم والدراوردي عبد العزيز وهما مدنيان مشهوران وكذا سائر رواة هذا السند

                                                                                                                                                                                                        قوله لعله تنفعه شفاعتي ظهر من حديث العباس وقوع هذا الترجي واستشكل قوله - صلى الله عليه وسلم - تنفعه شفاعتي بقوله - تعالى - : فما تنفعهم شفاعة الشافعين وأجيب بأنه خص ولذلك عدوه في خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم - وقيل معنى المنفعة في الآية يخالف معنى المنفعة في الحديث والمراد بها في الآية الإخراج من النار وفي الحديث المنفعة بالتخفيف وبهذا الجواب جزم القرطبي وقال البيهقي في البعث صحة الرواية في شأن أبي طالب فلا معنى للإنكار من حيث صحة الرواية ووجهه عندي أن الشفاعة في الكفار إنما امتنعت لوجود الخبر الصادق في أنه لا يشفع فيهم أحد وهو عام في حق كل كافر فيجوز أن يخص منه من ثبت الخبر بتخصيصه ، قال وحمله بعض أهل النظر على أن جزاء الكافر من العذاب يقع على كفره وعلى معاصيه فيجوز أن الله يضع عن بعض الكفار بعض جزاء معاصيه تطييبا لقلب الشافع لا ثوابا للكافر لأن حسناته صارت بموته على الكفر هباء وأخرج مسلم عن أنس وأما الكافر فيعطى حسناته في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة

                                                                                                                                                                                                        وقال القرطبي في " المفهم " اختلف في هذه الشفاعة هل هي بلسان قولي أو بلسان حالي ؟ والأول يشكل بالآية وجوابه جواز التخصيص ; والثاني يكون معناه أن أبا طالب لما بالغ في إكرام النبي - صلى الله عليه وسلم - والذب عنه جوزي على ذلك بالتخفيف فأطلق على ذلك شفاعة لكونها بسببه قال ويجاب عنه أيضا أن المخفف عنه لما لم يجد أثر التخفيف فكأنه لم ينتفع بذلك ويؤيد ذلك ما تقدم أنه يعتقد أن ليس في النار أشد عذابا منه وذلك أن القليل من عذاب جهنم لا تطيقه الجبال فالمعذب لاشتغاله بما هو فيه يصدق عليه أنه لم يحصل له انتفاع بالتخفيف

                                                                                                                                                                                                        قلت : وقد يساعد ما سبق ما تقدم في النكاح من حديث أم حبيبة في قصة بنت أم سلمة أرضعتني وإياها ثويبة قال عروة " إن أبا لهب رئي في المنام فقال لم أر بعدكم خيرا غير أني سقيت في هذه بعتاقتي ثويبة " وقد تقدم الكلام عليه هناك وجوز القرطبي في " التذكرة " أن الكافر إذا عرض على الميزان ورجحت كفة سيئاته بالكفر اضمحلت حسناته فدخل النار لكنهم يتفاوتون في ذلك فمن كانت له منهم حسنات من عتق ومواساة مسلم ليس كمن ليس له شيء من ذلك فيحتمل أن [ ص: 440 ] يجازى بتخفيف العذاب عنه بمقدار ما عمل لقوله - تعالى - ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا . قلت لكن هذا البحث النظري معارض بقوله - تعالى - ولا يخفف عنهم من عذابها وحديث أنس الذي أشرت إليه وأما ما أخرجه ابن مردويه والبيهقي من حديث ابن مسعود رفعه ما أحسن محسن من مسلم ولا كافر إلا أثابه الله قلنا يا رسول الله ما إثابة الكافر ؟ قال المال والولد والصحة وأشباه ذلك قلنا وما إثابته في الآخرة ؟ قال عذابا دون العذاب ثم قرأ أدخلوا آل فرعون أشد العذاب . فالجواب عنه أن سنده ضعيف وعلى تقدير ثبوته فيحتمل أن يكون التخفيف فيما يتعلق بعذاب معاصيه بخلاف عذاب الكفر




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية