الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        6310 حدثنا قتيبة عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك قال قال أبو طلحة لأم سليم لقد سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا أعرف فيه الجوع فهل عندك من شيء فقالت نعم فأخرجت أقراصا من شعير ثم أخذت خمارا لها فلفت الخبز ببعضه ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهبت فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس فقمت عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلك أبو طلحة فقلت نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه قوموا فانطلقوا وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته فقال أبو طلحة يا أم سليم قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليس عندنا من الطعام ما نطعمهم فقالت الله ورسوله أعلم فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة حتى دخلا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هلمي يا أم سليم ما عندك فأتت بذلك الخبز قال فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك الخبز ففت وعصرت أم سليم عكة لها فأدمته ثم قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقول ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال ائذن لعشرة فأكل القوم كلهم وشبعوا والقوم سبعون أو ثمانون رجلا

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        9952 " والثاني حديث أنس في قصة أقراص الشعير وأكل القوم وهم سبعون أو ثمانون رجلا حتى شبعوا وقد مضى شرحه في علامات النبوة والقصد منه قوله : فأمر بالخبز ففت وعصرت أم سليم عكة لها فأدمته " أي خلطت ما حصل من السمن بالخبز المفتوت قال ابن المنير وغيره مقصود البخاري الرد على من زعم أنه لا يقال ائتدم إلا إذا أكل بما اصطبغ به ، قال ومناسبته لحديث عائشة أن المعلوم أنها أرادت نفي الإدام مطلقا بقرينة ما هو معروف من شظف عيشهم فدخل فيه التمر وغيره وقال الكرماني : وجه المناسبة أن التمر لما كان موجودا عندهم وهو غالب أقواتهم وكانوا شباعى منه علم أن أكل الخبز به ليس ائتداما قال ويحتمل أن يكون ذكر هذا الحديث في هذا الباب لأدنى ملابسة وهو لفظ المأدوم لكونه لم يجد شيئا على شرطه قال ويحتمل أن يكون إيراد هذا الحديث في هذه الترجمة من تصرف النقلة قلت والأول مباين لمراد البخاري والثاني هو المراد لكن بأن ينضم إليه ما ذكره ابن المنير والثالث بعيد جدا قال ابن المنير ، وأما قصة أم سليم فظاهرة المناسبة ; لأن السمن اليسير الذي فضل في قعر العكة لا يصطبغ به الأقراص التي فتتها وإنما غايته أن يصير في الخبز من طعم السمن فأشبه ما إذا خالط التمر عند الأكل ويؤخذ منه أن كل شيء يسمى عند الإطلاق إداما فإن الحالف أن لا يأتدم يحنث إذا [ ص: 580 ] أكله مع الخبز وهذا قول الجمهور سواء كان يصطبغ به أم لا وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : لا يحنث إذا ائتدم بالجبن والبيض وخالفهما محمد بن الحسن فقال كل شيء يؤكل مع الخبز مما الغالب عليه ذلك كاللحم المشوي والجبن أدم وعن المالكية يحنث بكل ما هو عند الحالف أدم ولكل قوم عادة ومنهم من استثنى الملح جريشا كان أو مطيبا

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) : من حجة الجمهور حديث عائشة في قصة بريدة " فدعا بالغداء فأتي بخبز وإدام من أدم البيت " الحديث وقد مضى شرحه مستوفى في مكانه وترجم له المصنف في الأطعمة " باب الأدم " قال ابن بطال : دل هذا الحديث على أن كل شيء في البيت مما جرت العادة بالائتدام به يسمى أدما مائعا كان أو جامدا وكذا حديث تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة وإدامهم زائدة كبد الحوت " وقد تقدم شرحه في كتاب الرقاق وفي خصوص اليمين المذكورة في الترجمة حديث يوسف بن عبد الله بن سلام رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ كسرة من خبز شعير فوضع عليها تمرة وقال هذه إدام هذه أخرجه أبو داود والترمذي بسند حسن قال ابن القصار : لا خلاف بين أهل اللسان أن من أكل خبزا بلحم مشوي أنه ائتدم به فلو قال أكلت خبزا بلا إدام كذب وإن قال أكلت خبزا بإدام صدق وأما قول الكوفيين : الإدام اسم للجمع بين الشيئين فدل على أن المراد أن يستهلك الخبز فيه بحيث يكون تابعا له بأن تتداخل أجزاؤه في أجزائه وهذا لا يحصل إلا بما يصطبغ به فقد أجاب من خالفهم بأن الكلام الأول مسلم لكن دعوى التداخل لا دليل عليه قبل التناول وإنما المراد الجمع ثم الاستهلاك بالأكل فيتداخلان حينئذ




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية