الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        6658 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب عن الزهري ح وحدثنا إسماعيل حدثني أخي عن سليمان بن بلال عن محمد بن أبي عتيق عن ابن شهاب عن هند بنت الحارث الفراسية أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فزعا يقول سبحان الله ماذا أنزل الله من الخزائن وماذا أنزل من الفتن من يوقظ صواحب الحجرات يريد أزواجه لكي يصلين رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        الحديث الثاني قوله : وحدثنا إسماعيل ) هو ابن أبي أويس وأخوه هو أبو بكر عبد الحميد ، ومحمد بن أبي عتيق هو محمد بن عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الله بن أبي بكر نسب لجده ، هكذا عطف هذا الإسناد النازل على الذي قبله ، وهو أعلى منه بدرجتين لأنه أورد الأول مجردا في آخر كتاب الأدب بتمامه ، فلما أورده هنا عنه أردفه بالسند الآخر وساقه على لفظ السند الثاني ، وابن شهاب شيخ ابن أبي عتيق هو الزهري شيخ شعيب .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( هند بنت الحارث الفراسية ) بكسر الفاء بعدها راء وسين مهملة نسبة إلى بني فراس بطن من كنانة [ ص: 25 ] وهم إخوة قريش ، وكانت هند زوج معبد بن المقداد وقد قيل إن لها صحبة ، وتقدم شيء من ذلك في كتاب العلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فزعا ) بنصب ليلة ، وفزعا بكسر الزاي على الحال ، ووقع في رواية سفيان بن عيينة عن معمر كما مضى في العلم : استيقظ ذات ليلة ، وتقدم هناك الكلام على لفظ " ذات ورواية هذا الباب تؤيد أنها زائدة ، وفي رواية هشام بن يوسف عن معمر في قيام الليل مثل الباب لكن بحذف فزعا وفي رواية شعيب بحذفهما .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يقول سبحان الله ) في رواية سفيان : فقال سبحان الله " وفي رواية ابن المبارك عن معمر في اللباس " استيقظ من الليل وهو يقول لا إله إلا الله " .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( ماذا أنزل الله من الخزائن ، وماذا أنزل الليلة من الفتن ) في رواية غير الكشميهني : وماذا أنزل " بضم الهمزة وفي رواية سفيان " ماذا أنزل الليلة من الفتن ، وماذا فتح من الخزائن " وفي رواية شعيب " ماذا أنزل من الخزائن وماذا أنزل من الفتن " وفي رواية ابن المبارك مثله لكن بتقديم وتأخير وقال : من الفتنة " بالإفراد ، وقد تقدم الكلام على المراد بالخزائن وما ذكر معها في كتاب العلم ، و " ما " استفهامية فيها معنى التعجب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : من يوقظ صواحب الحجرات ) كذا للأكثر ، وفي رواية سفيان : " أيقظوا . بصيغة الأمر مفتوح الأول مكسور الثالث ، وصواحب بالنصب على المفعولية ، وجوز الكرماني إيقظوا بكسر أوله وفتح ثالثه وصواحب منادى ودلت رواية أيقظوا على أن المراد بقوله من يوقظ التحريض على إيقاظهن .

                                                                                                                                                                                                        قوله : يريد أزواجه لكي يصلين ) في رواية شعيب " حتى يصلين " وخلت سائر الروايات من هذه الزيادة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : رب كاسية في الدنيا ) في رواية سفيان فرب بزيادة فاء في أوله ، وفي رواية ابن المبارك " يا رب كاسية " بزيادة حرف النداء في أوله ، وفي رواية هشام : كم من كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة . وهو يؤيد ما ذهب إليه ابن مالك من أن رب أكثر ما ترد للتكثير فإنه قال أكثر النحويين إنها للتقليل وأن معنى ما يصدر بها المضي ، والصحيح أن معناها في الغالب التكثير وهو مقتضى كلام سيبويه فإنه قال في " باب كم " واعلم أن " كم في الخبر لا تعمل إلا فيما تعمل فيه رب ، لأن المعنى واحد إلا أن كم اسم و رب غير اسم انتهى .

                                                                                                                                                                                                        ولا خلاف أن معنى كم الخبرية التكثير ولم يقع في كتابه ما يعارض ذلك فصح أن مذهبه ما ذكرت وحديث الباب شاهد لذلك ، فليس مراده أن ذلك قليل بل المتصف بذلك من النساء كثير " ولذلك لو جعلت كم موضع رب لحسن انتهى . ، وقد وقعت كذلك في نفس هذا الحديث كما بينته ، ومما وردت فيه للتكثير قول حسان :

                                                                                                                                                                                                        رب حلم أضاعه عدم الما ل وجهل غطى عليه النعيم

                                                                                                                                                                                                        وقول عدي :

                                                                                                                                                                                                        رب مأمول وراج أملا قد ثناه الدهر عن ذاك الأمل


                                                                                                                                                                                                        قال : والصحيح أيضا أن الذي يصدر برب لا يلزم كونه ماضي المعنى بل يجوز مضيه وحضوره واستقباله ، وقد اجتمع في الحديث الحضور والاستقبال ، وشواهد الماضي كثيرة انتهى . ملخصا . وأما تصدير رب بحرف النداء في رواية ابن المبارك فقيل المنادى فيه محذوف ، والتقدير يا سامعين .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 26 ] قوله : عارية في الآخرة ) قال عياض الأكثر بالخفض على الوصف للمجرور برب ، وقال غيره : الأولى الرفع على إضمار مبتدأ والجملة في موضع النعت أي هي عارية والفعل الذي يتعلق به رب محذوف ، وقال السهيلي : الأحسن الخفض على النعت لأن رب حرف جر يلزم صدر الكلام وهذا رأي سيبويه ; وعند الكسائي هو اسم مبتدأ والمرفوع خبره ، وإليه كان يذهب بعض شيوخنا انتهى . واختلف في المراد بقوله : كاسية وعارية " على أوجه أحدها كاسية في الدنيا بالثياب لوجود الغنى عارية في الآخرة من الثواب لعدم العمل في الدنيا ، ثانيها كاسية بالثياب لكنها شفافة لا تستر عورتها فتعاقب في الآخرة بالعري جزاء على ذلك ، ثالثها كاسية من نعم الله عارية من الشكر الذي تظهر ثمرته في الآخرة بالثواب ، رابعها كاسية جسدها لكنها تشد خمارها من ورائها فيبدو صدرها فتصير عارية فتعاقب في الآخرة ، خامسها كاسية من خلعة التزوج بالرجل الصالح عارية في الآخرة من العمل فلا ينفعها صلاح زوجها كما قال تعالى فلا أنساب بينهم ذكر هذا الأخير الطيبي ورجحه لمناسبة المقام ، واللفظة وإن وردت في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لكن العبرة بعموم اللفظ ، وقد سبق لنحوه الداودي فقال : كاسية للشرف في الدنيا لكونها أهل التشريف وعارية يوم القيامة قال : ويحتمل أن يراد عارية في النار .

                                                                                                                                                                                                        قال ابن بطال : في هذا الحديث أن الفتوح في الخزائن تنشأ عنه فتنة المال بأن يتنافس فيه فيقع القتال بسببه وأن يبخل به فيمنع الحق أو يبطر صاحبه فيسرف ، فأراد صلى الله عليه وسلم تحذير أزواجه من ذلك كله وكذا غيرهن ممن بلغه ذلك وأراد بقوله " من يوقظ " بعض خدمه كما قال يوم الخندق : من يأتيني بخبر القوم " وأراد أصحابه ، لكن هناك عرف الذي انتدب كما تقدم وهنا لم يذكر ، وفي الحديث الندب إلى الدعاء ، والتضرع عند نزول الفتنة ولا سيما في الليل لرجاء وقت الإجابة لتكشف أو يسلم الداعي ومن دعا له وبالله التوفيق .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية