الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        6685 حدثني بشر بن خالد أخبرنا محمد بن جعفر عن شعبة عن سليمان سمعت أبا وائل قال قيل لأسامة ألا تكلم هذا قال قد كلمته ما دون أن أفتح بابا أكون أول من يفتحه وما أنا بالذي أقول لرجل بعد أن يكون أميرا على رجلين أنت خير بعد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يجاء برجل فيطرح في النار فيطحن فيها كطحن الحمار برحاه فيطيف به أهل النار فيقولون أي فلان ألست كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول إني كنت آمر بالمعروف ولا أفعله وأنهى عن المنكر وأفعله

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        الحديث الثالث قوله : عن سليمان ) هو الأعمش ، وفي رواية أحمد عن محمد بن جعفر ، عن شعبة عن سليمان ومنصور وكذا للإسماعيلي عن القاسم بن زكريا عن بشر بن خالد شيخ البخاري فيه لكنه ساقه على لفظ سليمان وقال في آخره " قال شعبة وحدثني منصور عن أبي وائل عن أسامة نحوا منه إلا أنه زاد فيه : فتندلق أقتاب بطنه " .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( قيل لأسامة : ألا تكلم هذا ؟ ) كذا هنا بإبهام القائل وإبهام المشار إليه ، وتقدم في صفة النار من بدء الخلق من طريق سفيان بن عيينة عن الأعمش بلفظ : لو أتيت فلانا فكلمته " وجزاء الشرط محذوف ، والتقدير لكان صوابا ، ويحتمل أن تكون " لو " للتمني ووقع اسم المشار إليه عند مسلم من رواية أبي معاوية [ ص: 56 ] عن الأعمش عن شقيق عن أسامة : قيل له ألا تدخل على عثمان فتكلمه . ولأحمد عن يعلى بن عبيد عن الأعمش : ألا تكلم عثمان " .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( قد كلمته ما دون أن أفتح بابا ) أي كلمته فيما أشرتم إليه ، لكن على سبيل المصلحة والأدب في السر بغير أن يكون في كلامي ما يثير فتنة أو نحوها . وما موصوفة ويجوز أن تكون موصولة .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( أكون أول من يفتحه ) في رواية الكشميهني : فتحه " بصيغة الفعل الماضي وكذا في رواية الإسماعيلي ; وفي رواية سفيان : " قال إنكم لترون - أي تظنون - أني لا أكلمه إلا أسمعتكم " أي إلا بحضوركم ، وسقطت الألف من بعض النسخ فصار بلفظ المصدر أي إلا وقت حضوركم حيث تسمعون وهي رواية يعلى بن عبيد المذكورة ، وقوله في رواية سفيان : إني أكلمه في السر دون أن أفتح بابا لا أكون أول من فتحه " عند مسلم مثله لكن قال بعد قوله إلا أسمعتكم " والله لقد كلمته فيما بيني وبينه دون أن أفتح أمرا لا أحب أن أكون أول من فتحه " يعني لا أكلمه إلا مع مراعاة المصلحة بكلام لا يهيج به فتنة .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وما أنا بالذي أقول لرجل بعد أن يكون أميرا على رجلين أنت خير ) في رواية الكشميهني " إيت خيرا " بصيغة فعل الأمر من الإيتاء ونصب خيرا على المفعولية ، والأول أولى فقد وقع في رواية سفيان " ولا أقول لأمير إن كان علي أميرا " هو بكسر همزة إن ويجوز فتحها ، وقوله " كان علي - بالتشديد - أميرا أنه خير الناس . وفي رواية أبي معاوية عند مسلم : يكون علي أميرا " وفي رواية يعلى " وإن كان علي أميرا " .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( بعدما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : يجاء برجل ) في رواية سفيان " بعد شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالوا : وما سمعته يقول ؟ قال سمعته يقول : يجاء بالرجل " وفي رواية عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عند أحمد " يجاء بالرجل الذي كان يطاع في معاصي الله فيقذف في النار " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : فيطحن فيها كطحن الحمار ) في رواية الكشميهني : كما يطحن الحمار " كذا رأيت في نسخة معتمدة : " فيطحن " بضم أوله على البناء للمجهول ، وفي أخرى بفتح أوله وهو أوجه ، فقد تقدم في رواية سفيان وأبي معاوية : فتندلق أقتابه فيدور كما يدور الحمار " وفي رواية عاصم : يستدير فيها كما يستدير الحمار . وكذا في رواية أبي معاوية . والأقتاب جمع قتب بكسر القاف وسكون المثناة بعدها موحدة هي الأمعاء ، واندلاقها خروجها بسرعة ، يقال اندلق السيف من غمده إذا خرج من غير أن يسله أحد ، وهذا يشعر بأن هذه الزيادة كانت أيضا عند الأعمش فلم يسمعها شعبة منه وسمع معناها من منصور كما تقدم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : فيطيف به أهل النار ) أي يجتمعون حوله ، يقال أطاف به القوم إذا حلقوا حوله حلقة وإن لم يدوروا ، وطافوا إذا داروا حوله ، وبهذا التقرير يظهر خطأ من قال إنهما بمعنى واحد . وفي رواية سفيان وأبي معاوية : فيجتمع عليه أهل النار . وفي رواية عاصم " فيأتي عليه أهل طاعته من الناس " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : فيقولون : أي فلان ) في رواية سفيان وأبي معاوية : فيقولون يا فلان " وزاد " ما شأنك . وفي رواية عاصم : أي فل ، أين ما كنت تأمرنا به " ؟ .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ألست كنت تأمر بالمعروف وتنهى ) في رواية سفيان : أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا ؟ "

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 57 ] قوله ( إني كنت آمر بالمعروف ولا أفعله وأنهى عن المنكر وأفعله ) في رواية سفيان : آمركم وأنهاكم . وله ولأبي معاوية : وآتيه ولا آتيه . وفي رواية يعلى : بل كنت آمر . وفي رواية عاصم " وإني كنت آمركم بأمر وأخالفكم إلى غيره . قال المهلب : أرادوا من أسامة أن يكلم عثمان وكان من خاصته وممن يخف عليه في شأن الوليد بن عقبة لأنه كان ظهر عليه ريح نبيذ وشهر أمره وكان أخا عثمان لأمه ، وكان يستعمله ، فقال أسامة : قد كلمته سرا دون أن أفتح بابا ، أي باب الإنكار على الأئمة علانية خشية أن تفترق الكلمة . ثم عرفهم أنه لا يداهن أحدا ولو كان أميرا بل ينصح له في السر جهده ، وذكر لهم قصة الرجل الذي يطرح في النار لكونه كان يأمر بالمعروف ولا يفعله ليتبرأ مما ظنوا به من سكوته عن عثمان في أخيه انتهى . ملخصا . وجزمه بأن مراد من سأل أسامة الكلام مع عثمان أن يكلمه في شأن الوليد ما عرفت مستنده فيه ، وسياق مسلم من طريق جرير عن الأعمش يدفعه ، ولفظه عن أبي وائل : كنا عند أسامة بن زيد فقال له رجل : ما يمنعك أن تدخل على عثمان فتكلمه فيما يصنع " . قال وساق الحديث بمثله ، وجزم الكرماني بأن المراد أن يكلمه فيما أنكره الناس على عثمان من تولية أقاربه وغير ذلك مما اشتهر ، وقوله إن السبب في تحديث أسامة بذلك ليتبرأ مما ظنوه به ليس بواضح ، بل الذي يظهر أن أسامة كان يخشى على من ولي ولاية ولو صغرت أنه لا بد له من أن يأمر الرعية بالمعروف وينهاهم عن المنكر ثم لا يأمن من أن يقع منه تقصير ، فكان أسامة يرى أنه لا يتأمر على أحد ، وإلى ذلك أشار بقوله : لا أقول للأمير إنه خير الناس . أي بل غايته أن ينجو كفافا . وقال عياض : مراد أسامة أنه لا يفتح باب المجاهرة بالنكير على الإمام لما يخشى من عاقبة ذلك ، بل يتلطف به وينصحه سرا فذلك أجدر بالقبول .

                                                                                                                                                                                                        وقوله : لا أقول لأحد يكون علي أميرا إنه خير الناس . فيه ذم مداهنة الأمراء في الحق وإظهار ما يبطن خلافه كالمتملق بالباطل ، فأشار أسامة إلى المداراة المحمودة والمداهنة المذمومة ، وضابط المداراة أن لا يكون فيها قدح في الدين ، والمداهنة المذمومة أن يكون فيها تزيين القبيح وتصويب الباطل ونحو ذلك . وقال الطبري : اختلف السلف في الأمر بالمعروف ، فقالت طائفة يجب مطلقا واحتجوا بحديث طارق بن شهاب رفعه : أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر وبعموم قوله : من رأى منكم منكرا فليغيره بيده . الحديث . وقال بعضهم : يجب إنكار المنكر ، لكن شرطه أن لا يلحق المنكر بلاء لا قبل له به من قتل ونحوه . وقال آخرون : ينكر بقلبه لحديث أم سلمة مرفوعا يستعمل عليكم أمراء بعدي ، فمن كره فقد برئ ومن أنكر فقد سلم ، ولكن من رضي وتابع الحديث قال : والصواب اعتبار الشرط المذكور ويدل عليه حديث لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه ثم فسره بأن يتعرض من البلاء لما لا يطيق انتهى . ملخصا . وقال غيره : يجب الأمر بالمعروف لمن قدر عليه ولم يخف على نفسه منه ضررا ولو كان الآمر متلبسا بالمعصية ، لأنه في الجملة يؤجر على الأمر بالمعروف ولا سيما إن كان مطاعا ، وأما إثمه الخاص به فقد يغفره الله له وقد يؤاخذه به ، وأما من قال : لا يأمر بالمعروف إلا من ليست فيه وصمة ، فإن أراد أنه الأولى فجيد وإلا فيستلزم سد باب الأمر إذا لم يكن هناك غيره . ثم قال الطبري : فإن قيل كيف صار المأمورون بالمعروف في حديث أسامة المذكور في النار ؟ والجواب أنهم لم يمتثلوا ما أمروا به فعذبوا بمعصيتهم وعذب أميرهم بكونه كان يفعل ما ينهاهم عنه ، وفي الحديث تعظيم الأمراء والأدب معهم وتبليغهم ما يقول الناس فيهم ليكفوا ويأخذوا حذرهم بلطف وحسن تأدية بحيث يبلغ المقصود من غير أذية للغير .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 58 ] قوله باب ) كذا للجميع بغير ترجمة ، وسقط لابن بطال ، وذكر فيه ثلاثة أحاديث تتعلق بوقعة الجمل ثالثها من رواية ثلاثة ، وتعلقه بما قبله ظاهر فإنها كانت أول وقعة تقاتل فيها المسلمون .



                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية