الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        6709 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن سالم عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بينا أنا نائم أطوف بالكعبة فإذا رجل آدم سبط الشعر ينطف أو يهراق رأسه ماء قلت من هذا قالوا ابن مريم ثم ذهبت ألتفت فإذا رجل جسيم أحمر جعد الرأس أعور العين كأن عينه عنبة طافية قالوا هذا الدجال أقرب الناس به شبها ابن قطن رجل من خزاعة

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        الحديث السادس قوله : عن عقيل ) بالضم هو ابن خالد .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( بينا أنا نائم أطوف بالكعبة ) زاد في ذكر عيسى من أحاديث الأنبياء عن أحمد بن محمد المكي عن إبراهيم بن سعد بهذا السند إلى ابن عمر قال : لا والله ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعيسى أحمر ، ولكن قال بينما " الحديث وزاد في رواية شعيب عن ابن شهاب : رأيتني " قبل قوله " أطوف " وهو بضم المثناة ، وتقدم في التعبير من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر " أراني الليلة عند الكعبة " وهو بفتح الهمزة وكل ذلك يقتضي أنها رؤيا منام ، والذي نفاه ابن عمر في هذه الرواية جاء عنه إثباته في رواية مجاهد عنه قال رأيت عيسى وموسى وإبراهيم فأما عيسى فأحمر جعد عريض الصدر ، وأما موسى فذكر الحديث وتقدم القول في ذلك في ترجمته مستوفى وأن الصواب أن مجاهدا إنما روى هذا عن ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                        قوله : فإذا رجل آدم ) بالمد ، في رواية مالك رأيت رجلا آدم كأحسن ما أنت راء من أدم الرجال بضم الهمزة وسكون الدال .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( سبط الشعر ) بفتح المهملة وكسر الموحدة وسكونها أيضا .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( ينطف ) بكسر الطاء المهملة ( أو يهراق ) كذا بالشك ، ولم يشك في رواية شعيب ، وزاد في [ ص: 104 ] رواية مالك " له لمة " بكسر اللام وتشديد الميم " كأحسن ما أنت راء من اللمم " وفي رواية موسى بن عقبة عن نافع تضرب به لمته بين منكبيه رجل الشعر يقطر رأسه ماء .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( قد رجلها ) بتشديد الجيم ( يقطر ماء ) ووقع في رواية شعيب " بين رجلين " وفي رواية مالك " متكئا على عواتق رجلين يطوف بالبيت " وفي حديث ابن عباس " ورأيت عيسى ابن مريم مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس " زاد في حديث أبي هريرة بنحوه " كأنما خرج من ديماس " يعني الحمام ، وفي رواية حنظلة عن سالم عن ابن عمر " يسكب رأسه أو يقطر " وفي حديث جابر عند مسلم " فإذا أقرب من رأيت به شبها عروة بن مسعود " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : قلت من هذا ؟ قالوا : ابن مريم ) في رواية مالك : فسألت من هذا ؟ فقيل : المسيح ابن مريم " وفي رواية حنظلة : فقالوا عيسى ابن مريم " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ثم ذهبت ألتفت فإذا رجل جسيم أحمر جعد الرأس أعور العين ) زاد في رواية مالك " جعد قطط أعور " وزاد شعيب " أعور العين اليمنى " وقد تقدم القول فيه أول الباب ، وفي رواية حنظلة " ورأيت وراءه رجلا أحمر جعد الرأس أعور العين اليمنى " ففي هذه الطرق أنه أحمر ووقع في حديث عبد الله بن مغفل عند الطبراني أنه آدم جعد ، فيمكن أن تكون أدمته صافية ، ولا ينافي أن يوصف مع ذلك بالحمرة لأن كثيرا من الأدم قد تحمر وجنته . ووقع في حديث سمرة عند الطبراني وصححه ابن حبان والحاكم : ممسوح العين اليسرى كأنها عين أبي يحيى شيخ من الأنصار ، انتهى . وهو بكسر المثناة الفوقانية ضبطه ابن ماكولا عن جعفر المستغفري ولا يعرف إلا من هذا الحديث .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( كأن عينه عنبة طافية ) بياء غير مهموزة أي بارزة ، ولبعضهم بالهمز أي ذهب ضوؤها ، قال القاضي عياض : رويناه عن الأكثر بغير همز ، وهو الذي صححه الجمهور وجزم به الأخفش ومعناه أنها ناتئة نتوء حبة العنب من بين أخواتها ، قال وضبطه بعض الشيوخ بالهمز وأنكره بعضهم ولا وجه لإنكاره ، فقد جاء في آخر أنه ممسوح العين مطموسة وليست جحراء ولا ناتئة ، وهذه صفة حبة العنب إذا سال ماؤها ، وهو يصحح رواية الهمز .

                                                                                                                                                                                                        قلت : الحديث المذكور عند أبي داود يوافقه حديث عبادة بن الصامت ولفظه : رجل قصير أفحج " بفاء ساكنة ثم مهملة مفتوحة ثم جيم من الفحج وهو تباعد ما بين الساقين أو الفخذين ، وقيل تداني صدور القدمين مع تباعد العقبين ، وقيل هو الذي في رجله اعوجاج ، وفي الحديث المذكور : جعد أعور مطموس العين ليست بناتئة " بنون ومثناة ، ولا جحراء " بفتح الجيم وسكون المهملة ممدود أي عميقة ، وبتقديم الحاء أي ليست متصلبة ، وفي حديث عبد الله بن مغفل : ممسوح العين " وفي حديث سمرة مثله وكلاهما عند الطبراني ولكن في حديثهما : أعور العين اليسرى . ومثله لمسلم من حديث حذيفة ، وهذا بخلاف قوله في حديث الباب : أعور العين اليمنى . وقد اتفقا عليه من حديث ابن عمر فيكون أرجح ، وإلى ذلك أشار ابن عبد البر لكن جمع بينهما القاضي عياض فقال : تصحح الروايتان معا بأن تكون المطموسة والممسوحة هي العوراء الطافئة بالهمز أي التي ذهب ضوؤها وهي العين اليمنى كما في حديث ابن عمر ، وتكون الجاحظة التي كأنها كوكب وكأنها نخاعة في حائط هي الطافية بلا همز وهي العين اليسرى كما جاء في الرواية الأخرى ، وعلى هذا فهو أعور العين اليمنى واليسرى معا فكل واحدة منهما عوراء أي [ ص: 105 ] معيبة ، فإن الأعور من كل شيء المعيب ، وكلا عيني الدجال معيبة فإحداهما معيبة بذهاب ضوئها حتى ذهب إدراكها ، والأخرى بنتوئها انتهى . قال النووي : هو في نهاية الحسن . وقال القرطبي في " المفهم " : حاصل كلام القاضي أن كل واحدة من عيني الدجال عوراء إحداهما بما أصابها حتى ذهب إدراكها والأخرى بأصل خلقها معيبة ، لكن يبعد هذا التأويل أن كل واحدة من عينيه قد جاء وصفها في الرواية بمثل ما وصفت به الأخرى من العور فتأمله . وأجاب صاحبه القرطبي في التذكرة بأن الذي تأوله القاضي صحيح ، فإن المطموسة وهي التي ليست ناتئة ولا جحراء هي التي فقدت الإدراك ، والأخرى وصفت بأن عليها ظفرة غليظة وهي جلدة تغشى العين وإذا لم تقطع عميت العين ، وعلى هذا فالعور فيهما لأن الظفرة مع غلظها تمنع الإدراك أيضا ، فيكون الدجال أعمى أو قريبا منه إلا أنه جاء ذكر الظفرة في العين اليمنى في حديث سفينة وجاء في العين الشمال في حديث سمرة فالله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قلت : وهذا هو الذي أشار إليه شيخه بقوله إن كل واحدة منهما جاء وصفها بمثل ما وصفت الأخرى ثم قال في " التذكرة " يحتمل أن تكون كل واحدة منهما عليها ظفرة فإن في حديث حذيفة أنه ممسوح العين عليها ظفرة غليظة قال : وإذا كانت الممسوحة عليها ظفرة فالتي ليست كذلك أولى ، قال : وقد فسرت الظفرة بأنها لحمة كالعلقة . قلت : وقع في حديث أبي سعيد عند أحمد " وعينه اليمنى عوراء جاحظة لا تخفى كأنها نخاعة في حائط مجصص ، وعينه اليسرى كأنها كوكب دري " فوصف عينيه معا ، ووقع عند أبي يعلى من هذا الوجه : أعور ذو حدقة جاحظة لا تخفى كأنها كوكب دري . ولعلها أبين لأن المراد بوصفها بالكوكب شدة اتقادها ، وهذا بخلاف وصفها بالطمس ووقع في حديث أبي بن كعب عند أحمد والطبراني : إحدى عينيه كأنها زجاجة خضراء " وهو يوافق وصفها بالكوكب ، ووقع في حديث سفينة عند أحمد والطبراني : أعور عينه اليسرى بعينه اليمنى ظفرة غليظة . والذي يتحصل من مجموع الأخبار أن الصواب في طافية أنه بغير همز فإنها قيدت في رواية الباب بأنها اليمنى " وصرح في حديث عبد الله بن مغفل وسمرة وأبي بكرة بأن عينه اليسرى ممسوحة والطافية هي البارزة وهي غير الممسوحة ، والعجب ممن يجوز رواية الهمز في " طافية " وعدمه مع تضاد المعنى في حديث واحد فلو كان ذلك في حديثين لسهل الأمر ، وأما الظفرة فجائز أن تكون في كلا عينيه لأنه لا يضاد الطمس ولا النتوء ، وتكون التي ذهب ضوؤها هي المطموسة والمعيبة مع بقاء ضوئها هي البارزة ، وتشبيهها بالنخاعة في الحائط المجصص في غاية البلاغة ، وأما تشبيهها بالزجاجة الخضراء وبالكوكب الدري فلا ينافي ذلك فإن كثيرا ممن يحدث له في عينه النتوء يبقى معه الإدراك فيكون الدجال من هذا القبيل والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قال ابن العربي : في اختلاف صفات الدجال بما ذكر من النقص بيان أنه لا يدفع النقص عن نفسه كيف كان ، وأنه محكوم عليه في نفسه . وقال البيضاوي : الظفرة لحمة تنبت عند الماق ، وقيل جلدة تخرج في العين من الجانب الذي يلي الأنف ، ولا يمنع أن تكون في العين السالمة بحيث لا تواري الحدقة بأسرها بل تكون على حدتها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : هذا الدجال ) في رواية شعيب : قلت من هذا ؟ قالوا " وكذا في رواية حنظلة ، وفي رواية مالك " فقيل : المسيح الدجال " ولم أقف على اسم القائل معينا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : أقرب الناس به شبها ابن قطن ) زاد في رواية شعيب " وابن قطن رجل من بني المصطلق من خزاعة " وفي رواية حنظلة " أشبه من رأيت به ابن قطن " وزاد أحمد بن محمد المكي في روايته " قال الزهري هلك في الجاهلية " وقدمت هناك سياق نسبه إلى خزاعة من فوائد الدمياطي ، وسأذكر اسمه في آخر الباب مع [ ص: 106 ] بقية صفته إن شاء الله تعالى ، واستشكل كون الدجال يطوف بالبيت وكونه يتلو عيسى ابن مريم ، وقد ثبت أنه إذا رآه يذوب ، وأجابوا عن ذلك بأن الرؤيا المذكورة كانت في المنام ، ورؤيا الأنبياء وإن كانت وحيا لكن فيها ما يقبل التعبير . وقال عياض : لا إشكال في طواف عيسى بالبيت ، وأما الدجال فلم يقع في رواية مالك أنه طاف وهي أثبت ممن روى طوافه . وتعقب بأن الترجيح مع إمكان الجمع مردود ، لأن سكوت مالك عن نافع عن ذكر الطواف لا يرد رواية الزهري عن سالم ، وسواء ثبت أنه طاف أم لم يطف فرؤيته إياه بمكة مشكلة مع ثبوت أنه لا يدخل مكة ولا المدينة ، وقد انفصل عنه القاضي عياض بأن منعه من دخولها إنما هو عند خروجه في آخر الزمان . قلت : ويؤيده ما دار بين أبي سعيد وبين ابن صياد فيما أخرجه مسلم وأن ابن صياد قال له ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم إنه لا يدخل مكة ولا المدينة وقد خرجت من المدينة أريد مكة ، فتأوله من جزم بأن ابن صياد هو الدجال ، على أن المنع إنما هو حيث يخرج ، وكذا الجواب عن مشيه وراء عيسى عليه السلام .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية