الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        6940 حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب حدثنا عمرو عن ابن أبي هلال أن أبا الرجال محمد بن عبد الرحمن حدثه عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن وكانت في حجر عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بقل هو الله أحد فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال سلوه لأي شيء يصنع ذلك فسألوه فقال لأنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأ بها فقال النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه أن الله يحبه

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        الحديث الرابع : حديث عمرة عن عائشة فيما يتعلق بسورة الإخلاص أيضا ، وقد تقدم معلقا في فضائل القرآن .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( حدثنا أحمد بن صالح ) كذا للأكثر وبه جزم أبو نعيم في المستخرج وأبو مسعود في الأطراف ، ووقع في الأطراف للمزي أن في بعض النسخ " حدثنا محمد حدثنا أحمد بن صالح " . قلت : وبذلك جزم البيهقي تبعا لخلف في الأطراف قال خلف : ومحمد هذا أحسبه محمد بن يحيى الذهلي ، ووقع عند الإسماعيلي بعد أن ساق الحديث من رواية حرملة عن ابن وهب ذكره البخاري " عن محمد " بلا خبر عن أحمد بن صالح ، فكأنه وقع عند الإسماعيلي بلفظ " قال محمد " وعلى رواية الأكثر فمحمد هو البخاري المصنف ، والقائل " قال محمد " هو محمد الفربري وذكر الكرماني هذا احتمالا . قلت : ويحتاج حينئذ إلى إبداء النكتة في إفصاح الفربري به في هذا الحديث دون غيره من الأحاديث الماضية والآتية .

                                                                                                                                                                                                        قوله : حدثنا عمرو ) هو ابن الحارث المصري و " ابن أبي هلال " هو سعيد وسماه مسلم في روايته .

                                                                                                                                                                                                        قوله : بعث رجلا على سرية ) تقدم في باب الجمع بين السورتين في ركعة من " كتاب الصلاة " بيان الاختلاف في تسميته ، وهل بينه وبين الذي كان يؤم قومه في مسجد قباء مغايرة أو هما واحد وبيان ما يترجح من ذلك " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : فيختم بقل هو الله أحد ) قال ابن دقيق العيد هذا يدل على أنه كان يقرأ بغيرها ثم يقرؤها في كل [ ص: 369 ] ركعة وهذا هو الظاهر ، ويحتمل أن يكون المراد أنه يختم بها آخر قراءته فيختص بالركعة الأخيرة ، وعلى الأول فيؤخذ منه جواز الجمع بين سورتين في ركعة انتهى . وقد تقدم البحث في ذلك في الباب المذكور من " كتاب الصلاة " بما يغني عن إعادته .

                                                                                                                                                                                                        قوله : لأنها صفة الرحمن ) قال ابن التين إنما قال إنها صفة الرحمن ؛ لأن فيها أسماءه وصفاته ، وأسماؤه مشتقة من صفاته ، وقال غيره : يحتمل أن يكون الصحابي المذكور قال ذلك مستندا لشيء سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم إما بطريق النصوصية وإما بطريق الاستنباط ، وقد أخرج البيهقي في " كتاب الأسماء والصفات " بسند حسن عن ابن عباس أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا صف لنا ربك الذي تعبد ، فأنزل الله عز وجل قل هو الله أحد إلى آخرها ، فقال : هذه صفة ربي عز وجل وعن أبي بن كعب قال : قال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم انسب لنا ربك ، فنزلت سورة الإخلاص الحديث ، وهو عند ابن خزيمة في " كتاب التوحيد " وصححه الحاكم " وفيه أنه ليس شيء يولد إلا يموت وليس شيء يموت إلا يورث ، والله لا يموت ولا يورث ، ولم يكن له شبه ولا عدل ، وليس كمثله شيء " . قال البيهقي : معنى قوله " ليس كمثله شيء " ليس كهو شيء ؛ قاله أهل اللغة قال : ونظيره قوله تعالى فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به يريد بالذي آمنتم به وهي قراءة ابن عباس ، قال : والكاف في قوله " كمثله " للتأكيد ، فنفى الله عنه المثلية بآكد ما يكون من النفي ، وأنشد لورقة بن نوفل في زيد بن عمرو بن نفيل من أبيات : " ودينك دين ليس دين كمثله " ثم أسند عن ابن عباس في قوله تعالى وله المثل الأعلى يقول ليس كمثله شيء ، وفي قوله هل تعلم له سميا هل تعلم له شبها أو مثلا ، وفي حديث الباب حجة لمن أثبت أن لله صفة وهو قول الجمهور ، وشذ ابن حزم فقال هذه لفظة اصطلح عليها أهل الكلام من المعتزلة ومن تبعهم ، ولم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه ، فإن اعترضوا بحديث الباب فهو من أفراد سعيد بن أبي هلال وفيه ضعف ، قال : وعلى تقدير صحته فقل هو الله أحد صفة الرحمن كما جاء في هذا الحديث ، ولا يزاد عليه بخلاف الصفة التي يطلقونها فإنها في لغة العرب لا تطلق إلا على جوهر أو عرض كذا قال ، وسعيد متفق على الاحتجاج به فلا يلتفت إليه في تضعيفه ، وكلامه الأخير مردود باتفاق الجميع على إثبات الأسماء الحسنى ، قال الله تعالى ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وقال بعد أن ذكر منها عدة أسماء في آخر سورة الحشر له الأسماء الحسنى والأسماء المذكورة فيها بلغة العرب صفات ففي إثبات أسمائه إثبات صفاته ؛ لأنه إذا ثبت أنه حي مثلا فقد وصف بصفة زائدة على الذات وهي صفة الحياة ، ولولا ذلك لوجب الاقتصار على ما ينبئ عن وجود الذات فقط ، وقد قاله سبحانه وتعالى سبحان ربك رب العزة عما يصفون فنزه نفسه عما يصفونه به من صفة النقص ، ومفهومه أن وصفه بصفة الكمال مشروع ، وقد قسم البيهقي وجماعة من أئمة السنة جميع الأسماء المذكورة في القرآن وفي الأحاديث الصحيحة على قسمين ؛ أحدهما صفات ذاته وهي ما استحقه فيما لم يزل ولا يزال ، والثاني صفات فعله وهي ما استحقه فيما لا يزال دون الأزل ، قال ولا يجوز وصفه إلا بما دل عليه الكتاب والسنة الصحيحة الثابتة أو أجمع عليه ، ثم منه ما اقترنت به دلالة العقل كالحياة والقدرة والعلم والإرادة والسمع والبصر والكلام من صفات ذاته ، وكالخلق والرزق والإحياء والإماتة والعفو والعقوبة من صفات فعله ، ومنه ما ثبت بنص الكتاب والسنة كالوجه واليد والعين من صفات ذاته ، وكالاستواء والنزول والمجيء من صفات فعله ، فيجوز إثبات هذه الصفات له لثبوت الخبر بها على وجه ينفي [ ص: 370 ] عنه التشبيه ، فصفة ذاته لم تزل موجودة بذاته ولا تزال ، وصفة فعله ثابتة عنه ولا يحتاج في الفعل إلى مباشرة إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ‌وقال القرطبي في المفهم : اشتملت قل هو الله أحد على اسمين يتضمنان جميع أوصاف الكمال : وهما الأحد والصمد ، فإنهما يدلان على أحدية الذات المقدسة الموصوفة بجميع أوصاف الكمال ، فإن الواحد والأحد وإن رجعا إلى أصل واحد فقد افترقا استعمالا وعرفا ، فالوحدة راجعة إلى نفي التعدد والكثرة ، والواحد أصل العدد من غير تعرض لنفي ما عداه والأحد يثبت مدلوله ويتعرض لنفي ما سواه ، ولهذا يستعملونه في النفي ويستعملون الواحد في الإثبات ، يقال ما رأيت أحدا ورأيت واحدا فالأحد في أسماء الله تعالى مشعر بوجوده الخاص به الذي لا يشاركه فيه غيره ، وأما الصمد فإنه يتضمن جميع أوصاف الكمال ؛ لأن معناه الذي انتهى . سؤدده بحيث يصمد إليه في الحوائج كلها وهو لا يتم حقيقة إلا لله ، قال ابن دقيق العيد قوله " لأنها صفة الرحمن " يحتمل أن يكون مراده أن فيها ذكر صفة الرحمن كما لو ذكر وصف فعبر عن الذكر بأنه الوصف وإن لم يكن نفس الوصف ويحتمل غير ذلك إلا أنه لا يختص ذلك بهذه السورة لكن لعل تخصيصها بذلك ؛ لأنه ليس فيها إلا صفات الله سبحانه وتعالى فاختصت بذلك دون غيرها .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( أخبروه أن الله يحبه ) قال ابن دقيق العيد : يحتمل أن يكون سبب محبة الله له محبته لهذه السورة ، ويحتمل أن يكون لما دل عليه كلامه ؛ لأن محبته لذكر صفات الرب دالة على صحة اعتقاده ، قال المازري ومن تبعه : محبة الله لعباده إرادته ثوابهم وتنعيمهم ، وقيل : هي نفس الإثابة والتنعيم ، ومحبتهم له لا يبعد فيها الميل منهم إليه وهو مقدس عن الميل ، وقيل : محبتهم له استقامتهم على طاعته ، والتحقيق أن الاستقامة ثمرة المحبة وحقيقة المحبة له ميلهم إليه لاستحقاقه سبحانه المحبة من جميع وجوهها انتهى . وفيه نظر لما فيه من الإطلاق في موضع التقييد ، وقال ابن التين : معنى محبة المخلوقين لله إرادتهم أن ينفعهم ، وقال القرطبي في المفهم : محبة الله لعبده تقريبه له وإكرامه وليست بميل ولا غرض كما هي من العبد ، وليست محبة العبد لربه نفس الإرادة بل هي شيء زائد عليها ، فإن المرء يجد من نفسه أنه يحب ما لا يقدر على اكتسابه ولا على تحصيله ، والإرادة هي التي تخصص الفعل ببعض وجوهه الجائزة ويحس من نفسه أنه يحب الموصوفين بالصفات الجميلة والأفعال الحسنة كالعلماء والفضلاء والكرماء وإن لم يتعلق له بهم إرادة مخصصة ، وإذا صح الفرق فالله سبحانه وتعالى محبوب لمحبيه على حقيقة المحبة كما هو معروف عند من رزقه الله شيئا من ذلك ، فنسأل الله تعالى أن يجعلنا من محبيه المخلصين . وقال البيهقي : المحبة والبغض عند بعض أصحابنا من صفات الفعل ، فمعنى محبته إكرام من أحبه ومعنى بغضه إهانته ، وأما ما كان من المدح والذم فهو من قوله ، وقوله من كلامه ، وكلامه من صفات ذاته فيرجع إلى الإرادة ، فمحبته الخصال المحمودة وفاعلها يرجع إلى إرادته إكرامه ، وبغضه الخصال المذمومة وفاعلها يرجع إلى إرادته إهانته .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية