الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        6984 حدثنا أحمد حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس قال جاء زيد بن حارثة يشكو فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول اتق الله وأمسك عليك زوجك قال أنس لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا لكتم هذه قال فكانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول زوجكن أهاليكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سموات وعن ثابت وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس نزلت في شأن زينب وزيد بن حارثة

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        الحديث الثالث : قوله : حدثنا أحمد ) كذا للجميع غير منسوب وذكر أبو نصر الكلاباذي أنه أحمد بن يسار المروزي ، وقال الحاكم : هو أحمد بن نصر النيسابوري ، يعني المذكور في سورة الأنفال وشيخه فيه محمد بن أبي بكر المقدمي قد أخرج عنه البخاري في " كتاب الصلاة " بغير واسطة ، وجزم أبو نعيم في المستخرج بأن البخاري أخرج هذا الحديث عن محمد بن أبي بكر المقدمي ولم يذكر واسطة ، والأول هو المعتمد ، وقد أخرج البخاري طرفا منه في تفسير سورة الأحزاب من وجه آخر عن حماد بن زيد ، وتقدم الكلام على قصة زينب بنت جحش وزيد بن حارثة هناك مبسوطا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : قال أنس لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا لكتم هذه ) ظاهره أنه موصول بالسند المذكور ، لكن أخرجه الترمذي والنسائي وابن خزيمة والإسماعيلي عنه نزلت وتخفي في نفسك ما الله مبديه في شأن زينب بنت جحش وكان زيد يشكو وهم بطلاقها يستأمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له أمسك عليك زوجك واتق الله وهذا القدر هو المذكور في آخر الحديث هنا بلفظ " وعن ثابت وتخفي في نفسك " إلخ ، ويستفاد منه موصول أنه بالسند المذكور وليس بمعلق ، وأما قوله " لو كان كاتما " إلخ ، فلم أره في غير هذا الموضع موصولا عن أنس ، وذكر ابن التين عن الداودي أنه نسب قوله " لو كان كاتما لكتم قصة زينب " إلى عائشة ، قال وعن غيرها " لكتم عبس وتولى " ، قلت : قد ذكرت في تفسير سورة الأحزاب حديث عائشة قالت " لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتما شيئا من الوحي " الحديث ، وأنه أخرجه مسلم والترمذي ثم وجدته في مسند الفردوس من وجه آخر عن عائشة من لفظه صلى الله عليه وسلم " لو كنت كاتما شيئا من الوحي " الحديث ، واقتصر عياض في الشفاء على نسبتها إلى عائشة والحسن البصري وأغفل حديث أنس هذا وهو عند البخاري ، وقد قال الترمذي بعد تخريج حديث عائشة : وفي الباب عن ابن عباس ، وأشار إلى ما أخرجه وأما الرواية الأخرى في عبس وتولى فلم أرها إلا عند عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أحد الضعفاء ، أخرجه الطبري وابن أبي حاتم عنه قال " كان يقال لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من الوحي لكتم هذا عن نفسه " وذكر قصة ابن أم مكتوم ونزول عبس وتولى انتهى . وقد أخرج القصة الترمذي وأبو يعلى والطبري والحاكم موصولة عن عائشة وليس فيها هذه الزيادة ، وأخرجها مالك في الموطأ عن هشام بن عروة ، عن أبيه مرسلة وهو المحفوظ عن هشام ، وتفرد يحيى بن سعيد الأموي بوصله عن هشام ، وأخرجها ابن مردويه من وجه آخر عن عائشة كذلك بدونها ، وكذا من حديث أبي أمامة ، وأوردها عبد بن حميد والطبراني وابن أبي حاتم من مرسل قتادة ومجاهد وعكرمة وأبي مالك الغفاري والضحاك والحكم وغيرهم ، وليس في رواية أحد منهم هذه الزيادة ، والله تعالى أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : قال فكانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم - إلى قولها - وزوجني الله عز وجل من فوق سبع سماوات ) أخرجه الإسماعيلي من طريق عارم بن الفضل عن حماد بهذا السند بلفظ " نزلت في [ ص: 423 ] زينب بنت جحش : فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها الآية ، وكانت تفخر " إلخ ثم ذكر رواية عيسى بن طهمان عن أنس في ذلك وهو آخر ما وقع في الصحيح من ثلاثيات البخاري ، وقد تقدم لعيسى حديث آخر في اللباس لكنه ليس ثلاثيا ولفظه هنا " وكانت تفخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم وكانت تقول : إن الله أنكحني في السماء ، وزاد الإسماعيلي من طريق الفريابي وأبي قتيبة عن عيسى " أنتن أنكحكن آباؤكن " وهذا الإطلاق محمول على البعض ، وإلا فالمحقق أن التي زوجها أبوها منهن عائشة وحفصة فقط ، وفي سودة وزينب بنت خزيمة وجويرية احتمال ، وأما أم سلمة وأم حبيبة وصفية وميمونة فلم يزوج واحدة منهن أبوها ، ووقع عند ابن سعد من وجه آخر عن أنس بلفظ : قالت زينب يا رسول الله إني لست كأحد من نسائك ، ليست منهن امرأة إلا زوجها أبوها أو أخوها أو أهلها غيري " وسنده ضعيف من وجه آخر موصول عن أم سلمة " قالت زينب ما أنا كأحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم إنهن زوجن بالمهور زوجهن الأولياء ، وأنا زوجني الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله في الكتاب " وفي مرسل الشعبي " قالت زينب يا رسول الله ، أنا أعظم نسائك عليك حقا ، أنا خيرهن منكحا وأكرمهن سفيرا وأقربهن رحما فزوجنيك الرحمن من فوق عرشه ، وكان جبريل هو السفير بذلك ، وأنا ابنة عمتك وليس لك من نسائك قريبة غيري " أخرجه الطبري وأبو القاسم الطحاوي في " كتاب الحجة والتبيان " له .

                                                                                                                                                                                                        قوله : من فوق سبع سماوات ) في رواية عيسى بن طهمان عن أنس المذكورة عقب هذا " وكانت تقول إن الله عز وجل أنكحني في السماء " وسنده هذه آخر الثلاثيات التي ذكرت في البخاري ، وتقدم لعيسى بن طهمان حديث آخر غير ثلاثي تكلم فيه ابن حبان بكلام لم يقبلوه منه ، وقوله في هذه الرواية : وأطعم عليها يومئذ خبزا ولحما " يعني في وليمتها ، وقد تقدم بيانه واضحا في تفسير سورة الأحزاب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : في رواية حماد بن زيد ، بعد قوله سبع سماوات ، وعن ثابت وتخفي في نفسك إلخ ) كذا وقع مرسلا ليس فيه أنس ، وقد تقدم من رواية يعلى بن منصور عن حماد بن زيد موصولا بذكر أنس فيه ، وكذلك وقع في رواية أحمد بن عبدة موصولا ، وأخرجه الإسماعيلي من رواية محمد بن سليمان لوين عن حماد موصولا أيضا وقد بين سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس كيفية تزويج زينب " قال : لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد اذكرها علي " فذكر الحديث ، وقد أورده في تفسير سورة الأحزاب ، قال الكرماني قوله " في السماء " ظاهره غير مراد ، إذ الله منزه عن الحلول في المكان ، لكن لما كانت جهة العلو أشرف من غيرها أضافها إليه إشارة إلى علو الذات والصفات ، وبنحو هذا أجاب غيره عن الألفاظ الواردة من الفوقية ونحوها ، قال الراغب : فوق " يستعمل في المكان والزمان والجسم والعدد والمنزلة والقهر .

                                                                                                                                                                                                        فالأول : باعتبار العلو ويقابله تحت نحو قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم

                                                                                                                                                                                                        والثاني : باعتبار الصعود والانحدار ، نحو إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم .

                                                                                                                                                                                                        والثالث : في العدد نحو فإن كن نساء فوق اثنتين .

                                                                                                                                                                                                        الرابع : في الكبر والصغر ، كقوله بعوضة فما فوقها .

                                                                                                                                                                                                        والخامس : يقع تارة باعتبار الفضيلة الدنيوية ، نحو ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ، أو الأخروية نحو والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة .

                                                                                                                                                                                                        والسادس : نحو قوله وهو القاهر فوق عباده يخافون ربهم من فوقهم انتهى . ملخصا .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية