الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        1222 حدثنا إسماعيل حدثني مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن حميد بن نافع عن زينب بنت أبي سلمة أخبرته قالت دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا ثم دخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها فدعت بطيب فمست به ثم قالت ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا إسماعيل ) هو ابن أبي أويس ابن أخت مالك . وساق الحديث هنا من طريق مالك مختصرا ، وأورده مطولا من طريقه في العدد كما سيأتي .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( ثم دخلت ) هو مقول زينب بنت أم سلمة ، وهو مصرح به في الرواية التي في العدد ، وظاهره أن هذه القصة وقعت بعد قصة أم حبيبة ، ولا يصح ذلك إلا إن قلنا بالتعدد ، ويكون ذلك عقب وفاة يزيد بن أبي سفيان ، لأن وفاته سنة ثمان عشرة أو تسع عشرة ، ولا يصح أن يكون ذلك عند وفاة أبيه ، لأن زينب بنت جحش ماتت قبل أبي سفيان بأكثر من عشر سنين على الصحيح المشهور عند أهل العلم بالأخبار ، فيحمل على أنها لم ترد ترتيب الوقائع ، وإنما أرادت ترتيب الأخبار . وقد وقع في رواية أبي داود بلفظ : " ودخلت " . وذلك لا يقتضي الترتيب ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حين توفي أخوها ) لم أتحقق من المراد به ، لأن لزينب ثلاثة إخوة : عبد الله ، وعبد بغير إضافة ، وعبيد الله بالتصغير ، فأما الكبير فاستشهد بأحد ، وكانت زينب إذ ذاك صغيرة جدا ، لأن أباها أبا سلمة مات بعد بدر ، وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم أمها أم سلمة وهي صغيرة ترضع ، كما سيأتي في الرضاع : أن أمها حلت من عدتها من أبي سلمة بوضع زينب هذه ، فانتفى أن يكون هو المراد هنا ، وإن كان وقع في كثير من الموطآت بلفظ : " حين توفي أخوها عبد الله " ، كما أخرجه الدارقطني من طريق ابن وهب وغيره ، عن مالك . وأما عبد بغير إضافة ، فيعرف بأبي حميد ، وكان شاعرا أعمى ، وعاش إلى خلافة عمر ، وقد جزم ابن إسحاق وغيره من أهل العلم بالأخبار بأنه مات بعد أخته زينب بسنة ، وروى ابن سعد في ترجمتها في الطبقات من وجهين أن أبا حميد المذكور حضر جنازة زينب مع عمر ، وحكي عنه مراجعة له بسببها ، وإن كان في إسنادهما الواقدي ، لكن يستشهد به في مثل هذا ، فانتفى أن يكون هذا الأخير المراد ، وأما عبيد الله المصغر فأسلم قديما ، وهاجر بزوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان إلى الحبشة ، ثم تنصر هناك ، ومات فتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بعده أم حبيبة ، فهذا يحتمل أن يكون هو المراد ، لأن زينب بنت أبي سلمة عندما جاء الخبر بوفاة عبيد الله كانت في سن من يضبط ، ولا مانع أن يحزن المرء على قريبه الكافر ، ولا سيما إذا تذكر سوء مصيره . ولعل الرواية التي في الموطأ : " حين توفي أخوها عبد الله " كانت عبيد الله بالتصغير ، فلم يضبطها الكاتب ، والله أعلم . ويعكر على هذا قول من قال : إن عبيد الله مات بأرض الحبشة ، فتزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة ، فإن ظاهرها أن تزوجها كان بعد موت عبيد الله ، وتزويجها وقع وهي بأرض الحبشة ، وقبل أن تسمع النهي ، وأيضا ففي السياق : " ثم دخلت على زينب " . بعد قولها : دخلت على أم حبيبة ، وهو ظاهر في أن ذلك كان بعد [ ص: 177 ] موت قريب زينب بنت جحش المذكور ، وهو بعد مجيء أم حبيبة من الحبشة بمدة طويلة ، فإن لم يكن هذا الظن هو الواقع احتمل أن يكون أخا لزينب بنت جحش من أمها ، أو من الرضاعة ، أو يرجح ما حكاه ابن عبد البر وغيره من أن زينب بنت أبى سلمة ولدت بأرض الحبشة ، فإن مقتضى ذلك أن يكون لها عند وفاة عبد الله بن جحش أربع سنين . وما مثلها [1] يضبط في مثلها ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فمست به ) أي شيئا من جسدها ، وسيأتي في الطريق التي في العدد بلفظ : " فمست منه " . وسيأتي فيه لزينب حديث آخر عن أمها أم سلمة في الإحداد أيضا ، وسيأتي الكلام على الأحاديث الثلاثة مستوفى ، إن شاء الله تعالى .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية