الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        1226 حدثنا عبدان حدثنا عبد الله أخبرنا ابن جريج قال أخبرني عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة قال توفيت ابنة لعثمان رضي الله عنه بمكة وجئنا لنشهدها وحضرها ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم وإني لجالس بينهما أو قال جلست إلى أحدهما ثم جاء الآخر فجلس إلى جنبي فقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لعمرو بن عثمان ألا تنهى عن البكاء فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه فقال ابن عباس رضي الله عنهما قد كان عمر رضي الله عنه يقول بعض ذلك ثم حدث قال صدرت مع عمر رضي الله عنه من مكة حتى إذا كنا بالبيداء إذا هو بركب تحت ظل سمرة فقال اذهب فانظر من هؤلاء الركب قال فنظرت فإذا صهيب فأخبرته فقال ادعه لي فرجعت إلى صهيب فقلت ارتحل فالحق أمير المؤمنين فلما أصيب عمر دخل صهيب يبكي يقول وا أخاه وا صاحباه فقال عمر رضي الله عنه يا صهيب أتبكي علي وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الميت يعذب ببعض بكاء أهله عليه قال ابن عباس رضي الله عنهما فلما مات عمر رضي الله عنه ذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها فقالت رحم الله عمر والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه وقالت حسبكم القرآن ولا تزر وازرة وزر أخرى قال ابن عباس رضي الله عنهما عند ذلك والله هو أضحك وأبكى قال ابن أبي مليكة والله ما قال ابن عمر رضي الله عنهما شيئا

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عبد الله ) هو ابن المبارك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( بنت لعثمان ) هي أم أبان كما سيأتي من رواية أيوب .

                                                                                                                                                                                                        قوله . ( وإني لجالس بينهما ، أو قال : جلست إلى أحدهما ) هذا شك من ابن جريج ، ولمسلم من طريق [ ص: 190 ] أيوب ، عن ابن أبي مليكة قال : " كنت جالسا إلى جنب ابن عمر ونحن ننتظر جنازة أم أبان بنت عثمان ، وعنده عمرو بن عثمان ، فجاء ابن عباس يقوده قائده فأراه أخبره بمكان ابن عمر فجاء حتى جلس إلى جنبي ، فكنت بينهما ، فإذا صوت من الدار " . وفي رواية عمرو بن دينار ، عن ابن أبي مليكة عند الحميدي : " فبكى النساء " . فظهر السبب في قول ابن عمر ، لعمرو بن عثمان ما قال ، والظاهر أن المكان الذي جلس فيه ابن عباس كان أوفق له من الجلوس بجنب ابن عمر ، أو اختار أن لا يقيم ابن أبي مليكة من مكانه ويجلس فيه للنهي عن ذلك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فلما أصيب عمر ) يعني بالقتل ، وأفاد أيوب في روايته أن ذلك كان عقب الحجة المذكورة ، ولفظه : " فلما قدمنا لم يلبث عمر أن أصيب " وفي رواية عمرو بن دينار : " لم يلبث أن طعن " .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( قال ابن عباس : فلما مات عمر ) هذا صريح في أن حديث عائشة من رواية ابن عباس عنها ، ورواية مسلم توهم أنه من رواية ابن أبي مليكة عنها ، والقصة كانت بعد موت عائشة لقوله فيها : " فجاء ابن عباس يقوده قائده : " فإنه إنما عمي في أواخر عمره ، ويؤيد كون ابن أبي مليكة لم يحمله عنها أن عند مسلم في أواخر القصة " . قال ابن أبي مليكة : وحدثني القاسم بن محمد قال لما بلغ عائشة قول ابن عمر قالت : إنكم لتحدثونني عن غير كاذبين ولا مكذبين ، ولكن السمع يخطئ . وهذا يدل على أن ابن عمر كان قد حدث به مرارا . وسيأتي في الحديث الذي بعده أنه حدث بذلك أيضا لما مات رافع بن خديج .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) بسكون نون لكن ، ويجوز تشديدها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حسبكم ) بسكون السين المهملة ؛ أي كافيكم . ( القرآن ) ؛ أي في تأييد ما ذهبت إليه من رد الخبر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال ابن عباس عند ذلك ) أي عند انتهاء حديثه عن عائشة ( والله هو أضحك وأبكى ) أي أن العبرة لا يملكها ابن آدم ولا تسبب له فيها ، فكيف يعاقب عليها فضلا عن الميت . وقال الداودي : معناه أن الله تعالى أذن في الجميل من البكاء فلا يعذب على ما أذن فيه . وقال الطيبي : غرضه تقرير قول عائشة أي أن بكاء الإنسان وضحكه من الله يظهره فيه ، فلا أثر له في ذلك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ما قال ابن عمر شيئا ) قال الطيبي وغيره : ظهرت لابن عمر الحجة فسكت مذعنا . وقال الزين بن المنير : سكوته لا يدل على الإذعان ، فلعله كره المجادلة في ذلك المقام . وقال القرطبي : ليس سكوته لشك طرأ له بعد ما صرح برفع الحديث ، ولكن احتمل عنده أن يكون الحديث قابلا للتأويل ، ولم يتعين له محمل يحمله عليه إذ ذاك ، أو كان المجلس لا يقبل المماراة ، ولم تتعين الحاجة إلى ذلك حينئذ . ويحتمل أن يكون ابن عمر فهم من استشهاد ابن عباس بالآية قبول روايته ، لأنها يمكن أن يتمسك بها في أن لله أن يعذب بلا ذنب فيكون بكاء الحي علامة لذلك ، أشار إلى ذلك الكرماني .

                                                                                                                                                                                                        الحديث الرابع :



                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية