الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        1403 وحدثنا عبدان أخبرنا عبد الله أخبرنا يونس عن الزهري عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب أن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم قال يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه كالذي يأكل ولا يشبع اليد العليا خير من اليد السفلى قال حكيم فقلت يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدا بعدك شيئا حتى أفارق الدنيا فكان أبو بكر رضي الله عنه يدعو حكيما إلى العطاء فيأبى أن يقبله منه ثم إن عمر رضي الله عنه دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه شيئا فقال عمر إني أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم أني أعرض عليه حقه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه فلم يرزأ حكيم أحدا من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إن هذا المال خضرة ) أنث الخبر لأن المراد الدنيا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( خضرة حلوة ) شبهه - بالرغبة فيه ، والميل إليه ، وحرص النفوس عليه - بالفاكهة الخضراء المستلذة ، فإن الأخضر مرغوب فيه على انفراده بالنسبة إلى اليابس ، والحلو مرغوب فيه على انفراده بالنسبة للحامض ، فالإعجاب بهما إذا اجتمعا أشد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( بسخاوة نفس ) أي : بغير شره ولا إلحاح ؛ أي : من أخذه بغير سؤال ، وهذا بالنسبة إلى الآخذ ، ويحتمل أن يكون بالنسبة إلى المعطي ؛ أي : بسخاوة نفس المعطي ؛ أي : انشراحه بما يعطيه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كالذي يأكل ولا يشبع ) أي : الذي يسمى جوعه كذابا ، لأنه من علة به وسقم ، فكلما أكل ازداد سقما ولم يجد شبعا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( اليد العليا ) تقدم الكلام عليه مستوفى في " باب : لا صدقة إلا عن ظهر غنى " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لا أرزأ ) بفتح الهمزة وإسكان الراء وفتح الزاي بعدها همزة أي : لا أنقص ماله بالطلب منه ، وفي رواية لإسحاق : " قلت : فوالله لا تكون يدي بعدك تحت يد من أيدي العرب " . وإنما امتنع حكيم من أخذ العطاء مع أنه حقه لأنه خشي أن يقبل من أحد شيئا فيعتاد الأخذ فتتجاوز به نفسه إلى ما لا يريده ، ففطمها عن ذلك ، وترك ما يريبه إلى ما لا يريبه ، وإنما أشهد عليه عمر ، لأنه أراد أن لا ينسبه أحد لم يعرف باطن الأمر إلى منع حكيم من حقه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حتى توفي ) زاد إسحاق بن راهويه في مسنده من طريق عمر بن عبد الله بن عروة مرسلا أنه ما أخذ من أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا معاوية ديوانا ولا غيره حتى مات لعشر سنين مع إمارة معاوية .

                                                                                                                                                                                                        قال ابن أبي جمرة : في حديث حكيم فوائد : منها أنه قد يقع الزهد مع الأخذ ، فإن سخاوة النفس هو زهدها ، تقول : سخت بكذا ؛ أي : جادت . وسخت عن كذا ؛ أي : لم تلتفت إليه . ومنها أن الأخذ مع سخاوة النفس يحصل أجر الزهد والبركة في الرزق ، فتبين أن الزهد يحصل خيري الدنيا والآخرة . وفيه ضرب المثل لما لا يعقله السامع من الأمثلة ، لأن الغالب من الناس لا يعرف البركة إلا في الشيء الكثير فبين بالمثال المذكور أن البركة هي خلق من خلق الله تعالى ، وضرب لهم المثل بما يعهدون ، فالآكل إنما يأكل ليشبع ، فإذا أكل ولم يشبع كان عناء في حقه بغير فائدة ، وكذلك المال ليست الفائدة في عينه ، وإنما هي لما يتحصل به من المنافع ، فإذا كثر عند المرء بغير تحصيل منفعة كان وجوده كالعدم . وفيه أنه ينبغي للإمام أن لا يبين للطالب [ ص: 395 ] ما في مسألته من المفسدة إلا بعد قضاء حاجته لتقع موعظته له الموقع ، لئلا يتخيل أن ذلك سبب لمنعه من حاجته . وفيه جواز تكرار السؤال ثلاثا ، وجواز المنع في الرابعة ، والله أعلم . وفي الحديث أيضا أن سؤال الأعلى ليس بعار ، وأن رد السائل بعد ثلاث ليس بمكروه ، وأن الإجمال في الطلب مقرون بالبركة . وقد زاد إسحاق بن راهويه في مسنده من طريق معمر ، عن الزهري في آخره : " فمات حين مات ، وإنه لمن أكثر قريش مالا " . وفيه أيضا سبب ذلك وهو : أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى حكيم بن حزام دون ما أعطى أصحابه ، فقال حكيم : يا رسول الله ، ما كنت أظن أن تقصر بي دون أحد من الناس ، فزاده ، ثم استزاده حتى رضي . فذكر نحو الحديث .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية