الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب الإهلال مستقبل القبلة وقال أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا أيوب عن نافع قال كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا صلى بالغداة بذي الحليفة أمر براحلته فرحلت ثم ركب فإذا استوت به استقبل القبلة قائما ثم يلبي حتى يبلغ الحرم ثم يمسك حتى إذا جاء ذا طوى بات به حتى يصبح فإذا صلى الغداة اغتسل وزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك تابعه إسماعيل عن أيوب في الغسل

                                                                                                                                                                                                        1479 حدثنا سليمان بن داود أبو الربيع حدثنا فليح عن نافع قال كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا أراد الخروج إلى مكة ادهن بدهن ليس له رائحة طيبة ثم يأتي مسجد ذي الحليفة فيصلي ثم يركب وإذا استوت به راحلته قائمة أحرم ثم قال هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعل [ ص: 483 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 483 ] قوله : ( باب الإهلال مسمتقبل القبلة ) زاد المستملي " الغداة بذي الحليفة " وسيأتي شرحه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال أبو معمر ) هو عبد الله بن عمرو ، لا إسماعيل القطيعي . وقد وصله أبو نعيم في " المستخرج " من طريق عباس الدوري ، عن أبي معمر ، وقال : ذكره البخاري بلا رواية .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إذا صلى بالغداة ) أي صلى الصبح بوقت الغداة ، وللكشميهني " إذا صلى الغداة " أي الصبح .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فرحلت ) بتخفيف الحاء .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( استقبل القبلة قائما ) أي مستويا على ناقته ، أو وصفه بالقيام لقيام ناقته ، وقد وقع في الرواية الثانية بلفظ : " فإذا استوت به راحلته قائمة " . وفهم الداودي من قوله : استقبل القبلة قائما . أي في الصلاة ، فقال : في السياق تقديم وتأخير ، فكأنه قال : أمر براحلته فرحلت ، ثم استقبل القبلة قائما ، أي فصلى صلاة الإحرام ثم ركب . حكاه ابن التين ، قال : وإن كان ما في الأصل محفوظا فلعله لقرب إهلاله من الصلاة . انتهى . ولا حاجة إلى دعوى التقديم والتأخير ، بل صلاة الإحرام لم تذكر هنا ، والاستقبال إنما وقع بعد الركوب ، وقد رواه ابن ماجه ، وأبو عوانة في صحيحه من طريق عبيد الله بن عمر ، عن نافع بلفظ : كان إذا أدخل رجله في الغرز واستوت به ناقته قائما أهل .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ثم يمسك ) الظاهر أنه أراد يمسك عن التلبية ، وكأنه أراد بالحرم المسجد ، والمراد بالإمساك عن التلبية التشاغل بغيرها من الطواف وغيره لا تركها أصلا ، وسيأتي نقل الخلاف في ذلك ، وأن ابن عمر كان لا يلبي في طوافه كما رواه ابن خزيمة في صحيحه من طريق عطاء ، قال : كان ابن عمر يدع التلبية إذا دخل الحرم ، ويراجعها بعدما يقضي طوافه بين الصفا والمروة . وأخرج نحوه من طريق القاسم بن محمد ، عن ابن عمر ، قال الكرماني : ويحتمل أن يكون مراده بالحرم منى ، يعني فيوافق الجمهور في استمرار التلبية حتى يرمي جمرة العقبة ، لكن يشكل عليه قوله في رواية إسماعيل بن علية : " إذا دخل أدنى الحرم " . والأولى أن المراد بالحرم ظاهره لقوله بعد ذلك : " حتى إذا جاء ذا طوى " . فجعل غاية الإمساك الوصول إلى ذي طوى ، والظاهر أيضا أن المراد بالإمساك ترك تكرار التلبية ومواظبتها ورفع الصوت بها الذي يفعل في أول الإحرام لا ترك التلبية رأسا ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ذا طوى ) بضم الطاء وبفتحها ، وقيدها الأصيلي بكسرها : واد معروف بقرب مكة ، ويعرف اليوم ببئر الزاهر ، وهو مقصور منون ، وقد لا ينون ، ونقل الكرماني أن في بعض الروايات : " حتى إذا حاذى طوى " . بحاء مهملة بغير همز وفتح الذال ، قال : والأول هو الصحيح ، لأن اسم الموضع ذو طوى لا طوى فقط .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 484 ] قوله : ( وزعم ) هو من إطلاق الزعم على القول الصحيح ، وسيأتي من رواية ابن علية ، عن أيوب بلفظ : " ويحدث " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( تابعه إسماعيل ) هو ابن علية .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن أيوب في الغسل ) أي وغيره ، لكن من غير مقصود الترجمة ، لأن هذه المتابعة وصلها المصنف كما سيأتي بعد أبواب " عن يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن علية به " . ولم يقتصر فيه على الغسل ، بل ذكره كله إلا القصة الأولى ، وأوله كان إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية والباقي مثله ، ولهذه النكتة أورد المصنف طريق فليح عن نافع المقتصرة على القصة الأولى بزيادة ذكر الدهن الذي ليست له رائحة طيبة ، ولم يقع في رواية فليح التصريح باستقبال القبلة ، لكنه من لازم الموجه إلى مكة في ذلك الموضع أن يستقبل القبلة ، وقد صرح بالاستقبال في الرواية الأولى ، وهما حديث واحد ، وإنما احتاج إلى رواية فليح للنكتة التي بينتها ، والله أعلم . وبهذا التقرير يندفع اعتراض الإسماعيلي عليه في إيراده حديث فليح ، وأنه ليس فيه للاستقبال ذكر ، قال المهلب : استقبال القبلة بالتلبية هو المناسب ، لأنها إجابة لدعوة إبراهيم ، ولأن المجيب لا يصلح له أن يولي المجاب ظهره ، بل يستقبله ، قال : وإنما كان ابن عمر يدهن ليمنع بذلك القمل عن شعره ، ويجتنب ما له رائحة طيبة صيانة للإحرام .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية