الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهن

                                                                                                                                                                                                        1623 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن قالت سمعت عائشة رضي الله عنها تقول خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لخمس بقين من ذي القعدة لا نرى إلا الحج فلما دنونا من مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من لم يكن معه هدي إذا طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يحل قالت فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر فقلت ما هذا قال نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أزواجه قال يحيى فذكرته للقاسم فقال أتتك بالحديث على وجهه [ ص: 644 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 644 ] قوله : ( باب ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهن ) أما التعبير بالذبح مع أن حديث الباب بلفظ النحر فإشارة إلى ما ورد في بعض طرقه بلفظ الذبح وسيأتي بعد سبعة أبواب من طريق سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد ، ونحر البقر جائز عند العلماء إلا أن الذبح مستحب عندهم لقوله تعالى إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة وخالف الحسن بن صالح فاستحب نحرها ، وأما قوله " من غير أمرهن " فأخذه من استفهام عائشة عن اللحم لما دخل به عليها ولو كان ذبحه بعلمها لم تحتج إلى الاستفهام لكن ليس ذلك دافعا للاحتمال فيجوز أن يكون علمها بذلك تقدم بأن يكون استأذنهن في ذلك لكن لما أدخل اللحم عليها احتمل عندها أن يكون هو الذي وقع الاستئذان فيه وأن يكون غير ذلك فاستفهمت عنه لذلك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن عمرة ) في رواية سليمان المذكورة حدثتني عمرة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لا نرى ) بضم النون أي لا نظن .

                                                                                                                                                                                                        وقوله : ( إلا الحج ) تقدم القول فيه في الكلام على " باب التمتع والإفراد والقران " . وقوله ( فدخل علينا ) بضم الدال على البناء للمجهول .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( بلحم بقر ) قال ابن بطال : أخذ بظاهره جماعة فأجازوا الاشتراك في الهدي والأضحية ولا حجة فيه لأنه يحتمل أن يكون عن كل واحدة بقرة وأما رواية يونس ، عن الزهري عن عمرة عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر عن أزواجه بقرة واحدة . فقد قال إسماعيل القاضي : تفرد يونس بذلك وقد خالفه غيره اهـ . ورواية يونس أخرجها النسائي ، وأبو داود وغيرهما ويونس ثقة حافظ وقد تابعه معمر عند النسائي أيضا ولفظه أصرح من لفظ يونس قال : ما ذبح عن آل محمد في حجة الوداع إلا بقرة : وروى النسائي أيضا من طريق يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن اعتمر من نسائه في حجة الوداع بقرة بينهن . صححه الحاكم وهو شاهد قوي لرواية الزهري وأما ما رواه عمار الدهني ، عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت : ذبح عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حججنا بقرة بقرة . أخرجه النسائي أيضا فهو شاذ مخالف لما تقدم ، وقد رواه المصنف في الأضاحي ومسلم أيضا من طريق ابن عيينة ، عن عبد الرحمن بن القاسم بلفظ : ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه البقر . ولم يذكر ما زاده عمار الدهني ، وأخرجه مسلم أيضا من طريق عبد العزيز الماجشون ، عن عبد الرحمن لكن بلفظ : " أهدى " بدل " ضحى " والظاهر أن التصرف من الرواة لأنه ثبت في الحديث ذكر النحر فحمله بعضهم على الأضحية فإن رواية أبي هريرة صريحة في أن ذلك كان عمن اعتمر من نسائه فقويت رواية من رواه بلفظ : " أهدى " . وتبين أنه هدي التمتع ; فليس [ ص: 645 ] فيه حجة على مالك في قوله : لا ضحايا على أهل منى ، وتبين توجيه الاستدلال به على جواز الاشتراك في الهدي والأضحية والله أعلم . واستدل به على أن الإنسان قد يلحقه من عمل غيره ما عمله عنه بغير أمره ولا علمه وتعقب باحتمال الاستئذان كما تقدم في الكلام على الترجمة وفيه جواز الأكل من الهدي والأضحية وسيأتي نقل الخلاف فيه بعد سبعة أبواب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال يحيى ) هو ابن سعيد الأنصاري بالإسناد المذكور كله إليه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فذكرته للقاسم ) يعني ابن محمد بن أبي بكر الصديق .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال أتتك بالحديث على وجهه ) أي ساقته لك سياقا تاما لم تختصر منه شيئا وكأنه يشير بذلك إلى روايته هو عن عائشة فإنها مختصرة كما قدمت الإشارة إليها في هذا الباب .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية