الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        166 حدثنا حفص بن عمر قال حدثنا شعبة قال أخبرني أشعث بن سليم قال سمعت أبي عن مسروق عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        وأورد المصنف من الحديث طرفا ليبين به المراد بقول عائشة " يعجبه التيمن " إذ هو لفظ مشترك بين الابتداء باليمين وتعاطي الشيء باليمين والتبرك وقصد اليمين ، فبان بحديث أم عطية أن المراد بالطهور الأول .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( سمعت أبي ) هو سليم بن أسود المحاربي الكوفي أبو الشعثاء مشهور بكنيته أكثر من اسمه ، وهو من كبار التابعين كشيخه مسروق فهما قرينان كما أن أشعث وشعبة قرينان وهما من كبار أتباع التابعين .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كان يعجبه التيمن ) قيل : لأنه كان يحب الفأل الحسن إذ أصحاب اليمين أهل الجنة . وزاد المصنف في الصلاة عن سليمان بن حرب عن شعبة " ما استطاع " فنبه على المحافظة على ذلك ما لم يمنع مانع .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( في تنعله ) أي : لبس نعله ( وترجله ) أي : ترجيل شعره وهو تسريحه ودهنه ، قال في المشارق : رجل شعره إذا مشطه بماء أو دهن ليلين ويرسل الثائر ويمد المنقبض ، زاد أبو داود عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة وسواكه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( في شأنه كله ) كذا للأكثر من الرواة بغير واو ، وفي رواية أبي الوقت بإثبات الواو وهي التي اعتمدها صاحب العمدة ، قال الشيخ تقي الدين : هو عام مخصوص ; لأن دخول الخلاء والخروج من المسجد ونحوهما يبدأ فيهما باليسار ، انتهى .

                                                                                                                                                                                                        وتأكيد " الشأن " بقوله " كله " يدل على التعميم ; لأن التأكيد يرفع المجاز فيمكن أن يقال : حقيقة الشأن ما كان فعلا مقصودا ، وما يستحب فيه التياسر ليس من الأفعال المقصودة بل هي إما تروك وإما غير مقصودة ، وهذا كله على تقدير إثبات الواو ، وأما على إسقاطها فقوله " في شأنه كله " متعلق بيعجبه لا بالتيمن أي يعجبه في شأنه كله التيمن في تنعله . . . إلخ ، أي : لا يترك ذلك سفرا ولا حضرا ولا في فراغه ولا شغله ونحو ذلك . وقال الطيبي قوله " في شأنه " بدل من قوله " في تنعله " بإعادة العامل . قال : وكأنه ذكر التنعل لتعلقه بالرجل ، والترجل لتعلقه بالرأس ، والطهور لكونه مفتاح أبواب العبادة ، فكأنه نبه على جميع الأعضاء فيكون كبدل الكل من الكل . قلت : ووقع في رواية مسلم بتقديم قوله " في شأنه كله " [ ص: 325 ] على قوله " في تنعله . . . إلخ " وعليها شرح الطيبي ، وجميع ما قدمناه مبني على ظاهر السياق الوارد هنا ، لكن بين المصنف في الأطعمة من طريق عبد الله بن المبارك عن شعبة أن أشعث شيخه كان يحدث به تارة مقتصرا على قوله " في شأنه كله " وتارة على قوله " في تنعله . . . إلخ " وزاد الإسماعيلي من طريق غندر عن شعبة أن عائشة أيضا كانت تجمله تارة وتبينه أخرى ، فعلى هذا يكون أصل الحديث ما ذكر من التنعل وغيره ، ويؤيده رواية مسلم من طريق أبي الأحوص وابن ماجه من طريق عمرو بن عبيد كلاهما عن أشعث بدون قوله " في شأنه كله " ، وكأن الرواية المقتصرة على " في شأنه كله " من الرواية بالمعنى ، ووقع في رواية لمسلم " في طهوره ونعله " بفتح النون وإسكان العين أي : هيئة تنعله ، وفي رواية ابن ماهان في مسلم " ونعله " بفتح العين .

                                                                                                                                                                                                        وفي الحديث استحباب البداءة بشق الرأس الأيمن في الترجل والغسل والحلق ، ولا يقال : هو من باب الإزالة فيبدأ فيه بالأيسر ، بل هو من باب العبادة والتزيين ، وقد ثبت الابتداء بالشق الأيمن في الحلق كما سيأتي قريبا ، وفيه البداءة بالرجل اليمنى في التنعل وفي إزالتها باليسرى وفيه البداءة باليد اليمنى في الوضوء وكذا الرجل ، وبالشق الأيمن في الغسل . واستدل به على استحباب الصلاة عن يمين الإمام وفي ميمنة المسجد وفي الأكل والشرب باليمين ، وقد أورده المصنف في هذه المواضع كلها ، قال النووي : قاعدة الشرع المستمرة استحباب البداءة باليمين في كل ما كان من باب التكريم والتزيين ، وما كان بضدهما استحب فيه التياسر

                                                                                                                                                                                                        . قال : وأجمع العلماء على أن تقديم اليمين في الوضوء سنة من خالفها فاته الفضل وتم وضوءه ، انتهى . ومراده بالعلماء أهل السنة ، وإلا فمذهب الشيعة الوجوب ، وغلط المرتضى منهم فنسبه للشافعي ، وكأنه ظن أن ذلك لازم من قوله بوجوب الترتيب ; لكنه لم يقل بذلك في اليدين ولا في الرجلين لأنهما بمنزلة العضو الواحد ; ولأنهما جمعا في لفظ القرآن ، لكن يشكل على أصحابه حكمهم على الماء بالاستعمال إذا انتقل من يد إلى يد أخرى ، مع قولهم بأن الماء ما دام مترددا على العضو لا يسمى مستعملا ، وفي استدلالهم على وجوب الترتيب بأنه لم ينقل أحد في صفة وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه توضأ منكسا ، وكذلك لم ينقل أحد أنه قدم اليسرى على اليمنى .

                                                                                                                                                                                                        ووقع في البيان للعمراني والتجريد للبندنيجي نسبة القول بالوجوب إلى الفقهاء السبعة ، وهو تصحيف من الشيعة . وفي كلام الرافعي ما يوهم أن أحمد قال بوجوبه ، ولا يعرف ذلك عنه ، بل قال الشيخ الموفق في المغني : لا نعلم في عدم الوجوب خلافا .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية