الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب ما ينهى من الطيب للمحرم والمحرمة وقالت عائشة رضي الله عنها لا تلبس المحرمة ثوبا بورس أو زعفران

                                                                                                                                                                                                        1741 حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا الليث حدثنا نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال قام رجل فقال يا رسول الله ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الإحرام فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تلبسوا القميص ولا السراويلات ولا العمائم ولا البرانس إلا أن يكون أحد ليست له نعلان فليلبس الخفين وليقطع أسفل من الكعبين ولا تلبسوا شيئا مسه زعفران ولا الورس ولا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين تابعه موسى بن عقبة وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة وجويرية وابن إسحاق في النقاب والقفازين وقال عبيد الله ولا ورس وكان يقول لا تتنقب المحرمة ولا تلبس القفازين وقال مالك عن نافع عن ابن عمر لا تتنقب المحرمة وتابعه ليث بن أبي سليم

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب ما ينهى ) أي : عنه ( من الطيب للمحرم والمحرمة ) أي : أنهما في ذلك سواء ، ولم يختلف العلماء في ذلك ، وإنما اختلفوا في أشياء هل تعد طيبا أو لا؟ والحكمة في منع المحرم من الطيب أنه من دواعي الجماع ومقدماته التي تفسد الإحرام ، وبأنه ينافي حال المحرم ، فإن المحرم أشعث أغبر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقالت عائشة : لا تلبس المحرمة ثوبا بورس أو زعفران ) وصله البيهقي من طريق معاذ عن عائشة قالت : " المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت إلا ثوبا مسه ورس أو زعفران ، ولا تبرقع ولا تلثم ، وتسدل الثوب على وجهها إن شاءت " وقد تقدم في أوائل الباب أن المرأة كالرجل في منع الطيب إجماعا . وروى أحمد وأبو داود والحاكم أصل حديث الباب من طريق ابن إسحاق حدثني نافع عن ابن عمر بلفظ : أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى النساء في إحرامهن عن القفازين والنقاب وما مس الورس والزعفران من الثياب ، ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب ثم أورد المصنف حديث ابن عمر : قام رجل فقال : يا رسول الله ، ماذا تأمرنا أن نلبس؟ الحديث . وقد تقدم في أوائل الحج مع سائر [ ص: 64 ] مباحثه في " باب ما يلبس المحرم من الثياب " وزاد فيه هنا : ولا تنتقب المرأة المحرمة ، ولا تلبس القفازين وذكر الاختلاف في رفع هذه الزيادة ووقفها ، وسأبين ما في ذلك إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( تابعه موسى بن عقبة ) وصله النسائي من طريق عبد الله بن المبارك عنه عن نافع في آخر الزيادة المذكورة قبل .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وإسماعيل بن إبراهيم ) أي : ابن عقبة ، وهو ابن أخي موسى المذكور قبله ، وقد رويناه من طريقه موصولا في " فوائد علي بن محمد المصري " من رواية السلفي ، عن الثقفي عن ابن بشران عنه عن يوسف بن يزيد ، عن يعقوب بن أبي عباد ، عن إسماعيل ، عن نافع به .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وجويرية ) أي : ابن أسماء ، وصله أبو يعلى ، عن عبد الله بن محمد بن أسماء عنه عن نافع وفيه الزيادة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وابن إسحاق ) وصله أحمد وغيره كما تقدم في أول الباب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( في النقاب والقفازين ) أي : في ذكرهما في الحديث المرفوع . والقفاز - بضم القاف وتشديد الفاء وبعد الألف زاي - : ما تلبسه المرأة في يدها فيغطي أصابعها وكفيها عند معاناة الشيء كغزل ونحوه ، وهو لليد كالخف للرجل . والنقاب الخمار الذي يشد على الأنف أو تحت المحاجر ، وظاهره اختصاص ذلك بالمرأة ، ولكن الرجل في القفاز مثلها لكونه في معنى الخف ، فإن كلا منهما محيط بجزء من البدن ، وأما النقاب فلا يحرم على الرجل من جهة الإحرام ؛ لأنه لا يحرم عليه تغطية وجهه على الراجح كما سيأتي الكلام عليه في حديث ابن عباس في هذا الباب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال عبيد الله ) يعني : ابن عمر العمري ( ولا ورس ) وكان يقول : لا تتنقب المحرمة ولا تلبس القفازين يعني : أن عبيد الله المذكور خالف المذكورين قبل في رواية هذا الحديث عن نافع فوافقهم على رفعه إلى قوله : زعفران ولا ورس وفصل بقية الحديث فجعله من قول ابن عمر . وهذا التعليق عن عبيد الله وصله إسحاق بن راهويه في مسنده عن محمد بن بشر وحماد بن مسعدة وابن خزيمة من طريق بشر بن المفضل ثلاثتهم عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع فساق الحديث إلى قوله : ولا ورس قالا : وكان عبد الله - يعني : ابن عمر - يقول : ولا تنتقب المحرمة ولا تلبس القفازين ورواه يحيى القطان عند النسائي وحفص بن غياث عند الدارقطني كلاهما عن عبيد الله فاقتصر على المتفق على رفعه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال مالك إلخ ) هو في " الموطأ " كما قال ، والغرض أن مالكا اقتصر على الموقوف فقط ، وفي ذلك تقوية لرواية عبيد الله وظهر الإدراج في رواية غيره . وقد استشكل ابن دقيق العيد الحكم بالإدراج في هذا الحديث ؛ لورود النهي عن النقاب والقفاز مفردا مرفوعا وللابتداء بالنهي عنهما في رواية ابن إسحاق المرفوعة المقدم ذكرها ، وقال في " الاقتراح " : دعوى الإدراج في أول المتن ضعيفة . وأجيب بأن الثقات إذا اختلفوا وكان مع أحدهم زيادة قدمت ، ولا سيما إن كان حافظا ، ولا سيما إن كان أحفظ ، والأمر هنا كذلك ، فإن عبيد الله بن عمر في نافع أحفظ من جميع من خالفه ، وقد فصل المرفوع من الموقوف ، وأما الذي اقتصر [ ص: 65 ] على الموقوف فرفعه فقد شذ بذلك ، وهو ضعيف ، وأما الذي ابتدأ في المرفوع بالموقوف فإنه من التصرف في الرواية بالمعنى ، وكأنه رأى أشياء متعاطفة فقدم وأخر لجواز ذلك عنده ، ومع الذي فصل زيادة علم فهو أولى ، أشار إلى ذلك شيخنا في شرح الترمذي " وقال الكرماني : فإن قلت : فلم قال بلفظ : " قال " وثانيا بلفظ : " كان يقول " ؟ قلت : لعله قال ذلك مرة ، وهذا كان يقوله دائما مكررا ، والفرق بين المرويين إما من جهة حذف المرأة ، وإما من جهة أن الأول بلفظ : " لا تتنقب " من التفعل ، والثاني من الافتعال ، وإما من جهة أن الثاني بضم الباء على سبيل النفي لا غير ، والأول بالضم والكسر نفيا ونهيا . انتهى كلامه ولا يخفى تكلفه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وتابعه ليث بن أبي سليم ) أي : تابع مالكا في وقفه ، وكذا أخرجه ابن أبي شيبة من طريق فضيل بن غزوان ، عن نافع موقوفا على ابن عمر . ومعنى قوله : " ولا تنتقب " أي : لا تستر وجهها كما تقدم . واختلف العلماء في ذلك فمنعه الجمهور وأجازه الحنفية وهو رواية عند الشافعية والمالكية ، ولم يختلفوا في منعها من ستر وجهها وكفيها بما سوى النقاب والقفازين . قوله : ( مسه ورس . . . إلخ ) مفهومه جواز ما ليس فيه ورس ولا زعفران ، لكن ألحق العلماء بذلك أنواع الطيب للاشتراك في الحكم ، واختلفوا في المصبوغ بغير الزعفران والورس ، وقد تقدم ذلك ، والورس نبات باليمن قاله جماعة ، وجزم بذلك ابن العربي وغيره ، وقال ابن البيطار في مفرداته : الورس يؤتى به من اليمن والهند والصين ، وليس بنبات بل يشبه زهر العصفر ، ونبته شيء يشبه البنفسج ، ويقال : إن الكركم عروقه .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية