الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        1854 حدثنا إسحاق الواسطي حدثنا خالد عن الشيباني عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وهو صائم فلما غربت الشمس قال لبعض القوم يا فلان قم فاجدح لنا فقال يا رسول الله لو أمسيت قال انزل فاجدح لنا قال يا رسول الله فلو أمسيت قال انزل فاجدح لنا قال إن عليك نهارا قال انزل فاجدح لنا فنزل فجدح لهم فشرب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال إذا رأيتم الليل قد أقبل من ها هنا فقد أفطر الصائم

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا خالد ) هو ابن عبد الله الواسطي والشيباني هو أبو إسحاق .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن عبد الله بن أبي أوفى ) سيأتي الباب الذي يليه من وجه آخر عن أبي إسحاق " سمعت ابن أبي أوفى " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر ) هذا السفر يشبه أن يكون سفر غزوة الفتح ، ويؤيده رواية هشيم عن الشيباني عند مسلم بلفظ : " كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر في شهر رمضان " وقد تقدم أن سفره في رمضان منحصر في غزوة بدر وغزوة الفتح ، فإن ثبت فلم يشهد ابن أبي أوفى بدرا ، فتعينت غزوة الفتح .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فلما غابت الشمس ) في رواية الباب الذي يليه : " فلما غربت الشمس " وهي تفيد معنى أزيد من معنى " غابت " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال لبعض القوم : يا فلان ) في رواية شعبة عن الشيباني عند أحمد : " فدعا صاحب شرابه بشراب فقال : لو أمسيت " وسأذكر من سماه في الباب الذي يليه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فاجدح ) بالجيم ثم الحاء المهملة ، والجدح تحريك السويق ونحوه بالماء بعود يقال له : المجدح ، مجنح الرأس ، وزعم الداودي أن معنى قوله : اجدح لي أي : احلب ، وغلطوه في ذلك .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 233 ] قوله : ( إن عليك نهارا ) يحتمل أن يكون المذكور كان يرى كثرة الضوء من شدة الصحو ، فيظن أن الشمس لم تغرب ويقول : لعلها غطاها شيء من جبل ونحوه ، أو كان هناك غيم فلم يتحقق غروب الشمس ، وأما قول الراوي : " وغربت الشمس " فإخبار منه بما في نفس الأمر ، وإلا فلو تحقق الصحابي أن الشمس غربت ما توقف ؛ لأنه حينئذ يكون معاندا ، وإنما توقف احتياطا واستكشافا عن حكم المسألة ، قال الزين بن المنير : يؤخذ من هذا جواز الاستفسار عن الظواهر لاحتمال أن لا يكون المراد إمرارها على ظاهرها ، وكأنه أخذ ذلك من تقريره - صلى الله عليه وسلم - الصحابي على ترك المبادرة إلى الامتثال . وفي الحديث أيضا استحباب تعجيل الفطر ، وأنه لا يجب إمساك جزء من الليل مطلقا ، بل متى تحقق غروب الشمس حل الفطر . وفيه تذكر العالم بما يخشى أن يكون نسيه وترك المراجعة له بعد ثلاث . وقد اختلفت الروايات عن الشيباني في ذلك ، فأكثر ما وقع فيها أن المراجعة وقع ثلاثا وفي بعضها مرتين وفي بعضها مرة واحدة ، وهو محمول على أن بعض الرواة اختصر القصة ، ورواية خالد المذكورة في هذا الباب أتمهم سياقا وهو حافظ فزيادته مقبولة ، وقد جاء أنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يراجع بعد ثلاث ، وهو عند أحمد من حديث عبد الله بن أبي حدرد في حديث أوله : " كان ليهودي عليه دين " . وفي حديثي الباب من الفوائد بيان وقت الصوم وأن الغروب متى تحقق كفى ، وفيه إيماء إلى الزجر عن متابعة أهل الكتاب فإنهم يؤخرون الفطر عن الغروب . وفيه أن الأمر الشرعي أبلغ من الحسي ، وأن العقل لا يقضي على الشرع . وفيه البيان بذكر اللازم والملزوم جميعا لزيادة الإيضاح .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية