الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        1888 حدثنا يحيى بن سليمان حدثنا ابن وهب أو قرئ عليه قال أخبرني عمرو عن بكير عن كريب عن ميمونة رضي الله عنها أن الناس شكوا في صيام النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فأرسلت إليه بحلاب وهو واقف في الموقف فشرب منه والناس ينظرون

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أخبرني عمرو ) هو ابن الحارث ، و " بكير " هو ابن عبد الله بن الأشج ، ونصف إسناده الأول مصريون ، والآخر مدنيون ، وقوله : " بحلاب " بكسر المهملة هو الإناء الذي يجعل فيه [ ص: 280 ] اللبن ، وقيل : الحلاب : اللبن المحلوب ، وقد يطلق على الإناء ولو لم يكن فيه لبن .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) : روى الإسماعيلي حديث ابن وهب بثلاثة أسانيد : أحدها : عنه عن مالك بإسناده ، والثاني : عنه عن عمرو بن الحارث عن سالم أبي النضر شيخ مالك فيه به ، والثالث : عن عمرو عن بكير به ، واقتصر البخاري على أحد أسانيده اكتفاء برواية غيره كما سبق . واستدل بهذين الحديثين على استحباب الفطر يوم عرفة بعرفة ، وفيه نظر ؛ لأن فعله المجرد لا يدل على نفي الاستحباب إذ قد يترك الشيء المستحب لبيان الجواز ، ويكون في حقه أفضل لمصلحة التبليغ ، نعم روى أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة والحاكم من طريق عكرمة أن أبا هريرة حدثهم : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة وأخذ بظاهره بعض السلف ، فجاء عن يحيى بن سعيد الأنصاري قال : يجب فطر يوم عرفة للحاج ، وعن ابن الزبير وأسامة بن زيد وعائشة : أنهم كانوا يصومونه ، وكان ذلك يعجب الحسن ويحكيه عن عثمان ، وعن قتادة مذهب آخر قال : لا بأس به إذا لم يضعف عن الدعاء ، ونقله البيهقي في " المعرفة " عن الشافعي في القديم ، واختاره الخطابي والمتولي من الشافعية ، وقال الجمهور : يستحب فطره ، حتى قال عطاء : من أفطره ليتقوى به على الذكر كان له مثل أجر الصائم ، وقال الطبري : إنما أفطر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفة ليدل على الاختيار للحاج بمكة لكي لا يضعف عن الدعاء والذكر المطلوب يوم عرفة ، وقيل : إنما أفطر لموافقته يوم الجمعة ، وقد نهى عن إفراده بالصوم ، ويبعده سياق أول الحديث ، وقيل : إنما كره صوم يوم عرفة ؛ لأنه يوم عيد لأهل الموقف لاجتماعهم فيه ، ويؤيده ما رواه أصحاب السنن عن عقبة بن عامر مرفوعا : يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام .

                                                                                                                                                                                                        وفي الحديث من الفوائد أن العيان أقطع للحجة ، وأنه فوق الخبر ، وأن الأكل والشرب في المحافل مباح ولا كراهة فيه للضرورة ، وفيه قبول الهدية من المرأة من غير استفصال منها هل هو من مال زوجها أو لا ، ولعل ذلك من القدر الذي لا يقع فيه المشاحة ، قال المهلب : وفيه نظر ؛ لما تقدم من احتمال أنه من بيت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم . وفيه تأسي الناس بأفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - . وفيه البحث والاجتهاد في حياته - صلى الله عليه وسلم - ، والمناظرة في العلم بين الرجال والنساء ، والتحيل على الاطلاع على الحكم بغير سؤال . وفيه فطنة أم الفضل لاستكشافها عن الحكم الشرعي بهذه الوسيلة اللطيفة اللائقة بالحال ؛ لأن ذلك كان في يوم حر بعد الظهيرة ، قال ابن المنير في الحاشية : لم ينقل أنه - صلى الله عليه وسلم - ناول فضله أحدا ، فلعله علم أنها خصته به ، فيؤخذ منه مسألة التمليك المقيد . انتهى . ولا يخفى بعده ا هـ . وقد وقع في حديث ميمونة : " فشرب منه " وهو مشعر بأنه لم يستوف شربه منه . وقال الزين بن المنير : لعل استبقاءه لما في القدح كان قصدا لإطالة زمن الشرب حتى يعم نظر الناس إليه ؛ ليكون أبلغ في البيان . وفيه الركوب في حال الوقوف ، وقد تقدمت مباحثه في كتاب الحج ، وترجم له في كتاب الأشربة " في الشرب في القدح وشرب الواقف على البعير " .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية