الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب شراء المملوك من الحربي وهبته وعتقه وقال النبي صلى الله عليه وسلم لسلمان كاتب وكان حرا فظلموه وباعوه وسبي عمار وصهيب وبلال وقال الله تعالى والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون

                                                                                                                                                                                                        2104 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم هاجر إبراهيم عليه السلام بسارة فدخل بها قرية فيها ملك من الملوك أو جبار من الجبابرة فقيل دخل إبراهيم بامرأة هي من أحسن النساء فأرسل إليه أن يا إبراهيم من هذه التي معك قال أختي ثم رجع إليها فقال لا تكذبي حديثي فإني أخبرتهم أنك أختي والله إن على الأرض مؤمن غيري وغيرك فأرسل بها إليه فقام إليها فقامت توضأ وتصلي فقالت اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي الكافر فغط حتى ركض برجله قال الأعرج قال أبو سلمة بن عبد الرحمن إن أبا هريرة قال قالت اللهم إن يمت يقال هي قتلته فأرسل ثم قام إليها فقامت توضأ تصلي وتقول اللهم إن كنت آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي هذا الكافر فغط حتى ركض برجله قال عبد الرحمن قال أبو سلمة قال أبو هريرة فقالت اللهم إن يمت فيقال هي قتلته فأرسل في الثانية أو في الثالثة فقال والله ما أرسلتم إلي إلا شيطانا ارجعوها إلى إبراهيم وأعطوها آجر فرجعت إلى إبراهيم عليه السلام فقالت أشعرت أن الله كبت الكافر وأخدم وليدة [ ص: 480 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 480 ] قوله : ( باب شراء المملوك من الحربي وهبته وعتقه ) قال ابن بطال : غرض البخاري بهذه الترجمة إثبات ملك الحربي وجواز تصرفه في ملكه بالبيع والهبة والعتق وغيرها ، إذ أقر النبي - صلى الله عليه وسلم - سلمان عند مالكه من الكفار وأمره أن يكاتب ، وقبل الخليل هبة الجبار وغير ذلك مما تضمنه حديث الباب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لسلمان ) أي : الفارسي ( كاتب . وكان حرا فظلموه وباعوه ) هذا طرف من حديث وصله أحمد والطبراني من طريق ابن إسحاق عن عاصم بن عمر عن محمود بن لبيد عن سلمان قال : " كنت رجلا فارسيا " فذكر الحديث بطوله وفيه : " ثم مر بي نفر من كلب تجار فحملوني معهم ، حتى إذا قدموا بي وادي القرى ظلموني فباعوني من رجل يهودي " الحديث وفيه : " فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كاتب يا سلمان ، قال فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة ودية " وأخرجه ابن حبان والحاكم في صحيحيهما من وجه آخر عن زيد بن صوحان عن سلمان نحوه ، وأخرجه أبو أحمد وأبو يعلى والحاكم من حديث بريدة بمعناه .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) : قوله : " كان حرا فظلموه وباعوه " من كلام البخاري لخصه من قصته في الحديث الذي علقه ، وظن الكرماني أنه من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد قوله لسلمان : " كاتب يا سلمان " فقال : قوله وكان حرا حال من قال النبي لا من قوله كاتب ، ثم قال : كيف أمره بالكتابة وهو حر؟ وأجيب [ ص: 481 ] بأنه أراد بالكتابة صورتها لا حقيقتها وكأنه أراد افد نفسك وتخلص من الظلم ، كذا قال ، وعلى تسليم أن قوله وكان حرا من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يتعين منه حمل الكتابة على المجاز لاحتمال أن يكون أراد بقوله : " وكان حرا " أي : قبل أن يخرج من بلده فيقع في أسر الذين ظلموه وباعوه ويستفاد من هذا كله تقرير أحكام المشركين على ما كانوا عليه قبل الإسلام ، وقد قال الطبري : إنما أقر اليهودي على تصرفه في سلمان بالبيع ونحوه ؛ لأنه لما ملكه لم يكن سلمان على هذه الشريعة وإنما كان قد تنصر ، وحكم هذه الشريعة أن من غلب من الكفار على نفس غيره أو ماله ولم يكن المغلوب فيمن دخل في الإسلام أنه يدخل في ملك الغالب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وسبي عمار وصهيب وبلال ) أما قصة سبي عمار فما ظهر لي المراد منها ؛ لأن عمارا كان عربيا عنسيا بالنون والمهملة ما وقع عليه سبي ، وإنما سكن أبوه ياسر مكة وحالف بني مخزوم فزوجوه سمية وهي من مواليهم فولدت له عمارا ، فيحتمل أن يكون المشركون عاملوا عمارا معاملة السبي لكون أمه من مواليهم داخلا في رقهم . وأما صهيب فذكر ابن سعد أن أباه من النمر بن قاسط وكان عاملا لكسرى فسبت الروم صهيبا لما غزت أهل فارس فابتاعه منهم عبد الله بن جدعان ، وقيل : بل هرب من الروم إلى مكة فحالف ابن جدعان ، وستأتي الإشارة إلى قصته في الكلام على الحديث الثالث . وأما بلال فقال مسدد في مسنده : " حدثنا معتمر عن أبيه عن نعيم بن أبي هند قال كان بلال لأيتام أبي جهل ، فعذبه ، فبعث أبو بكر رجلا فقال اشتر لي بلالا فأعتقه " . وروى عبد الرزاق من طريق سعيد بن المسيب قال : " قال أبو بكر للعباس : اشتر لي بلالا فاشتراه فأعتقه أبو بكر " وفي المغازي لابن إسحاق ، حدثني هشام بن عروة عن أبيه قال : " مر أبو بكر بأمية بن خلف وهو يعذب بلالا فقال ألا تتقي الله في هذا المسكين؟ قال أنقذه أنت مما ترى ، فأعطاه أبو بكر غلاما أجلد منه وأخذ بلالا فأعتقه " ويجمع بين القصتين بأن كلا من أمية وأبي جهل كان يعذب بلالا ولهما شوب فيه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال الله تعالى : والله فضل بعضكم على بعض في الرزق الآية ) موضع الترجمة منه قوله تعالى : على ما ملكت أيمانهم فأثبت لهم ملك اليمين مع كون ملكهم غالبا كان على غير الأوضاع الشرعية ، وقال ابن المنير : مقصوده صحة ملك الحربي وملك المسلم عنه ، والمخاطب في الآية المشركون ، والتوبيخ الذي وقع لهم بالنسبة إلى ما عاملوا به أصنامهم من التعظيم ولم يعاملوا ربهم بذلك ، وليس هذا من غرض هذا الباب .

                                                                                                                                                                                                        ثم ذكر المصنف أربعة أحاديث ، أحدها حديث أبي هريرة في قصة إبراهيم - عليه السلام - وسارة مع الجبار ، وفيه أنه أعطاها هاجر ، ووقع هنا " آجر " بهمزة بدل الهاء ، وقوله : " كبت " بفتح الكاف والموحدة بعدها مثناة أي : أخزاه وقيل : رده خائبا وقيل : أحزنه وقيل : صرعه وقيل : صرفه وقيل : أذله ، حكاها كلها ابن التين وقال : إنها متقاربة ، وقيل : أصل كبت كبد أي : بلغ الهم كبده فأبدلت الدال مثناة . وقوله : أخدم أي : مكن من الخدمة ، وسيأتي الكلام عليه مستوفى في أحاديث الأنبياء ، وموضع الترجمة منه قول الكافر : " أعطوها هاجر " وقبول سارة منه وإمضاء إبراهيم - عليه السلام - ذلك ، ففيه صحة هبة الكافر .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية