الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب السلم إلى من ليس عنده أصل

                                                                                                                                                                                                        2128 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا عبد الواحد حدثنا الشيباني حدثنا محمد بن أبي المجالد قال بعثني عبد الله بن شداد وأبو بردة إلى عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما فقالا سله هل كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يسلفون في الحنطة قال عبد الله كنا نسلف نبيط أهل الشأم في الحنطة والشعير والزيت في كيل معلوم إلى أجل معلوم قلت إلى من كان أصله عنده قال ما كنا نسألهم عن ذلك ثم بعثاني إلى عبد الرحمن بن أبزى فسألته فقال كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يسلفون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم نسألهم ألهم حرث أم لا حدثناإسحاق حدثنا خالد بن عبد الله عن الشيباني عن محمد بن أبي مجالد بهذا وقال فنسلفهم في الحنطة والشعير وقال عبد الله بن الوليد عن سفيان حدثنا الشيباني وقال والزيت حدثنا قتيبة حدثنا جرير عن الشيباني وقال في الحنطة والشعير والزبيب [ ص: 503 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 503 ] قوله : ( باب السلم إلى من ليس عنده أصل ) أي : مما أسلم فيه ، وقيل : المراد بالأصل أصل الشيء الذي يسلم فيه ، فأصل الحب مثلا الزرع وأصل الثمر مثلا الشجر ، والغرض من الترجمة أن ذلك لا يشترط . وأورد المصنف حديث ابن أبي أوفى من طريق الشيباني فأورده أولا من طريق عبد الواحد - وهو ابن زياد - عنه فذكر الحنطة والشعير والزيت ، ومن طريق خالد عن الشيباني ولم يذكر الزيت ، ومن طريق جرير عن الشيباني فقال : الزبيب بدل الزيت ، ومن طريق سفيان عن الشيباني فقال - وذكره بعد ثلاثة أبواب من وجه آخر عن سفيان - كذلك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( نبيط أهل الشام ) في رواية سفيان : " أنباط من أنباط الشام " وهم قوم من العرب دخلوا في العجم والروم واختلطت أنسابهم وفسدت ألسنتهم ، وكان الذين اختلطوا بالعجم منهم ينزلون البطائح بين العراقين ، والذين اختلطوا بالروم ينزلون في بوادي الشام ويقال لهم : النبط بفتحتين والنبيط بفتح أوله وكسر ثانيه وزيادة تحتانية ، والأنباط قيل : سموا بذلك لمعرفتهم بأنباط الماء أي : استخراجه لكثرة معالجتهم الفلاحة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قلت : إلى من كان أصله عنده ) أي : المسلم فيه ، وسيأتي من طريق سفيان بلفظ : " قلت : أكان لهم زرع أو لم يكن لهم " .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 504 ] قوله : ( ما كنا نسألهم عن ذلك ) كأنه استفاد الحكم من عدم الاستفصال وتقرير النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال عبد الله بن الوليد ) هو العدني ، وسفيان هو الثوري ، وطريقه موصولة في " جامع سفيان " من طريق علي بن الحسن الهلالي عن عبد الله بن الوليد المذكور ، واستدل بهذا الحديث على صحة السلم إذا لم يذكر مكان القبض ، وهو قول أحمد وإسحاق وأبي ثور ، وبه قال مالك وزاد : ويقبضه في مكان السلم ، فإن اختلفا فالقول قول البائع . وقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي : لا يجوز السلم فيما له حمل ومؤنة إلا أن يشترط في تسليمه مكانا معلوما . واستدل به على جواز السلم فيما ليس موجودا في وقت السلم إذا أمكن وجوده في وقت حلول السلم وهو قول الجمهور ، ولا يضر انقطاعه قبل المحل وبعده عندهم . وقال أبو حنيفة : لا يصح فيما ينقطع قبله ، ولو أسلم فيما يعم فانقطع في محله لم ينفسخ البيع عند الجمهور ، وفي وجه للشافعية ينفسخ ، واستدل به على جواز التفرق في السلم قبل القبض لكونه لم يذكر في الحديث ، وهو قول مالك إن كان بغير شرط . وقال الشافعي والكوفيون : يفسد بالافتراق قبل القبض ؛ لأنه يصير من باب بيع الدين بالدين . وفي حديث ابن أبي أوفى جواز مبايعة أهل الذمة والسلم إليهم ، ورجوع المختلفين عند التنازع إلى السنة ، والاحتجاج بتقرير النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأن السنة إذا وردت بتقرير حكم كان أصلا برأسه لا يضره مخالفة أصل آخر .

                                                                                                                                                                                                        ثم أورد المصنف في الباب حديث ابن عباس الآتي في الباب الذي يليه ، وزعم ابن بطال أنه غلط من الناسخ وأنه لا مدخل له في هذا الباب إذ لا ذكر للسلم فيه ، وغفل عما وقع في السياق من قول الراوي إنه سأل ابن عباس عن السلم في النخل ، وأجاب ابن المنير أن الحكم مأخوذ بطريق المفهوم ، وذلك أن ابن عباس لما سئل عن السلم مع من له نخل في ذلك النخل رأى أن ذلك من قبيل بيع الثمار قبل بدو الصلاح فإذا كان السلم في النخل المعين لا يجوز تعيين جوازه في غير المعين للأمن فيه من غائلة الاعتماد على ذلك النخل بعينه لئلا يدخل في باب بيع الثمار قبل بدو الصلاح ، ويحتمل أن يريد بالسلم معناه اللغوي أي : السلف لما كانت الثمرة قبل بدو صلاحها فكأنها موصوفة في الذمة .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية