الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        2968 حدثنا علي حدثنا سفيان حدثنا محمد بن المنكدر سمع جابرا رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قد جاءني مال البحرين لقد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا فلم يجئ حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فلما جاء مال البحرين أمر أبو بكر مناديا فنادى من كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم دين أو عدة فليأتنا فأتيته فقلت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي كذا وكذا فحثا لي ثلاثا وجعل سفيان يحثو بكفيه جميعا ثم قال لنا هكذا قال لنا ابن المنكدر وقال مرة فأتيت أبا بكر فسألت فلم يعطني ثم أتيته فلم يعطني ثم أتيته الثالثة فقلت سألتك فلم تعطني ثم سألتك فلم تعطني ثم سألتك فلم تعطني فإما أن تعطيني وإما أن تبخل عني قال قلت تبخل عني ما منعتك من مرة إلا وأنا أريد أن أعطيك قال سفيان وحدثنا عمرو عن محمد بن علي عن جابر فحثا لي حثية وقال عدها فوجدتها خمس مائة قال فخذ مثلها مرتين وقال يعني ابن المنكدر وأي داء أدوأ من البخل

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا علي ) هو ابن عبد الله المديني ، وسفيان هو ابن عيينة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لو قد جاءنا مال البحرين ) سيأتي ذلك في أول " باب الجزية " من حديث عمرو بن عوف وأنه من الجزية ، لكن فيه " فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين " فيحمل على أن الذي وعد به النبي صلى الله عليه وسلم جابرا كان بعد السنة التي قدم فيها أبو عبيدة بالمال ، وظهر بذلك جهة المال المذكور وأنه من الجزية ، فأغنى ذلك عن قول ابن بطال : يحتمل أن يكون من الخمس أو من الفيء .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أمر أبو بكر مناديا فنادى ) لم أقف على اسمه ، ويحتمل أن يكون بلالا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فحثى لي ) بالمهملة والمثلثة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال مرة ) القائل هو سفيان بهذا السند ، وقد تقدم الحديث في الهبة بالسند الأول بدون هذه الزيادة إلى آخرها ، وتقدمت الزيادة بهذا الإسناد في الكفالة والحوالة إلى قوله " خذ مثليها " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال سفيان ) هو متصل بالسند المذكور ، وعمرو هو ابن دينار ، ومحمد بن علي أي ابن الحسين بن علي . وظهر من هذه الرواية المراد من قوله في رواية ابن المنكدر " فحثى لي ثلاثا " لكن قوله " فحثى لي [ ص: 279 ] حثية " مع قوله في الرواية التي قبلها " وجعل سفيان يحثو بكفيه " يقتضي أن الحثية ما يؤخذ باليدين جميعا ، والذي قاله أهل اللغة أن الحثية ما يملأ الكف ، والحفنة ما يملأ الكفين . نعم ذكر أبو عبيد الهروي أن الحثية والحفنة بمعنى " وهذا الحديث شاهد لذلك . وقوله " حثية " من حثى يحثي ، ويجوز حثوة من حثا يحثو وهما لغتان ، وقوله " تبخل عني " أي من جهتي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال يعني ابن المنكدر ) الذي قال " وقال " هو سفيان الذي قال " يعني " هو علي بن المديني

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وأي داء أدوى من البخل ) قال عياض : كذا وقع " أدوى " غير مهموز ، من دوى إذا كان به مرض في جوفه ، والصواب أدوأ بالهمز لأنه من الداء ، فيحمل على أنهم سهلوا الهمزة ، ووقع في رواية الحميدي في مسنده عن سفيان في هذا الحديث ، وقال ابن المنكدر في حديثه " فظهر بذلك اتصاله إلى أبي بكر بخلاف رواية الأصيلي فإنها تشعر بأن ذلك من كلام ابن المنكدر وقد روى حديث " أي داء أدوأ من البخل " ، وقد تقدم في الكفالة توجيه وفاء أبي بكر لعدات النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذا في كتاب الهبة ، وأن وعده صلى الله عليه وسلم لا يجوز إخلافه فنزل منزلة الضمان في الصحة ، وقيل : إنما فعله أبو بكر على سبيل التطوع ، ولم يكن يلزمه قضاء ذلك ، وما تقدم في " باب من أمر بإنجاز الوعد " من كتاب الشهادات أولى ، وأن جابرا لم يدع أن له دينا في ذمة النبي صلى الله عليه وسلم فلم يطالبه أبو بكر ببينة ووفى ذلك له من بيت المال الموكول الأمر فيه إلى اجتهاد الإمام ، وعلى ذلك يحوم المصنف وبه ترجم ، وإنما أخر أبو بكر إعطاء جابر حتى قال له ما قال إما لأمر أهم من ذلك ، أو خشية أن يحمله ذلك على الحرص على الطلب ، أو لئلا يكثر الطالبون لمثل ذلك ، ولم يرد به المنع على الإطلاق ، ولهذا قال " ما من مرة إلا وأنا أريد أن أعطيك " وسيأتي في أوائل الجزية بيان الخلاف في مصرفها ، وظاهر إيراد البخاري هذا الحديث هنا أن مصرفها عنده مصرف الخمس ، والله أعلم . الحديث السابع .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية