الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب اعتكاف المستحاضة

                                                                                                                                                                                                        303 حدثنا إسحاق قال حدثنا خالد بن عبد الله عن خالد عن عكرمة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف معه بعض نسائه وهي مستحاضة ترى الدم فربما وضعت الطست تحتها من الدم وزعم أن عائشة رأت ماء العصفر فقالت كأن هذا شيء كانت فلانة تجده [ ص: 490 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 490 ] قوله : ( باب اعتكاف المستحاضة ) أي جوازه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا خالد بن عبد الله ) هو الطحان الواسطي ، وشيخه خالد هو ابن مهران الذي يقال له الحذاء بالحاء المهملة والذال المعجمة المثقلة ، ومدار الحديث المذكور عليه ، وعكرمة هو مولى ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( بعض نسائه ) قال ابن الجوزي : ما عرفنا من من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت مستحاضة ، قال : والظاهر أن عائشة أشارت بقولها من نسائه أي النساء المتعلقات به وهي أم حبيبة بنت جحش أخت زينب بنت جحش قلت : يرد هذا التأويل قوله في الرواية الثانية " امرأة من أزواجه " وقد ذكرها الحميدي عقب الرواية الأولى فما أدري كيف غفل عنها ابن الجوزي ، وفي الرواية الثالثة " بعض أمهات المؤمنين " ومن المستبعد أن تعتكف معه - صلى الله عليه وسلم - امرأة غير زوجاته وإن كان لها به تعلق .

                                                                                                                                                                                                        وقد حكى ابن عبد البر أن بنات جحش الثلاث كن مستحاضات : زينب أم المؤمنين وحمنة زوج طلحة وأم حبيبة زوج عبد الرحمن بن عوف وهي المشهورة منهن بذلك ، وسيأتي حديثها في ذلك . وذكر أبو داود من طريق سليمان بن كثير عن الزهري عن عروة عن عائشة " استحيضت زينب بنت جحش فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - اغتسلي لكل صلاة " وكذا وقع في الموطأ أن زينب بنت جحش استحيضت ، وجزم ابن عبد البر بأنه خطأ ; لأنه ذكر أنها كانت تحت عبد الرحمن بن عوف والتي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف إنما هي أم حبيبة أختها .

                                                                                                                                                                                                        وقال شيخنا الإمام البلقيني : يحمل على أن زينب بنت جحش استحيضت وقتا بخلاف أختها فإن استحاضتها دامت . قلت : وكذا يحمل على ما سأذكره في حق سودة وأم سلمة والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        وقرأت بخط مغلطاي في عد المستحاضات في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : وسودة بنت زمعة ذكرها العلاء بن المسيب عن الحكم عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين ، فلعلها هي المذكورة . قلت : وهو حديث ذكره أبو داود من هذا الوجه تعليقا وذكر البيهقي [1] أن ابن خزيمة أخرجه موصولا . قلت : لكنه مرسل ; لأن أبا جعفر تابعي ولم يذكر من حدثه به .

                                                                                                                                                                                                        وقرأت في السنن لسعيد بن منصور : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا خالد هو الحذاء عن عكرمة أن امرأة من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت معتكفة وهي مستحاضة قال : وحدثنا به خالد مرة أخرى عن عكرمة أن أم سلمة كانت عاكفة وهي مستحاضة وربما جعلت الطست تحتها . قلت : وهذا أولى ما فسرت به هذه المرأة لاتحاد المخرج . وقد أرسله إسماعيل [ ص: 491 ] بن علية عن عكرمة ، ووصله خالد الطحان ويزيد بن زريع وغيرهما بذكر عائشة فيه ، ورجح البخاري الموصول فأخرجه . وقد أخرج ابن أبي شيبة عن إسماعيل بن علية هذا الحديث كما أخرجه سعيد بن منصور بدون تسمية أم سلمة . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( من الدم ) أي لأجل الدم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وزعم ) هو معطوف على معنى العنعنة أي حدثني عكرمة بكذا وزعم كذا ، وأبعد من زعم أنه معلق .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كأن ) بالهمز وتشديد النون .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فلانة ) لظاهر أنها تعني المرأة التي ذكرتها قبل . ورأيت على حاشية نسخة صحيحة من أصل أبي ذر ما نصه " فلانة هي رملة أم حبيبة بنت أبي سفيان " فإن كان ثابتا فهو قول ثالث في تفسير المبهمة ، وعلى ما زعم ابن الجوزي من أن المستحاضة ليست من أزواجه فقد روي أن زينب بنت أم سلمة استحيضت ، روى ذلك البيهقي والإسماعيلي في جمعه حديث يحيى بن أبي كثير ، لكن الحديث في سنن أبي داود من حكاية زينب عن غيرها وهو أشبه ، فإنها كانت في زمنه - صلى الله عليه وسلم - صغيرة ; لأنه دخل على أمها في السنة الثالثة وزينب ترضع وأسماء بنت عميس حكاه الدارقطني من رواية سهيل بن أبي صالح عن الزهري عن عروة عنها .

                                                                                                                                                                                                        قلت : وهو عند أبي داود على التردد هل هو عن أسماء أو فاطمة بنت أبي حبيش ، وهاتان لهما به - صلى الله عليه وسلم - تعلق ; لأن زينب ربيبته وأسماء أخت امرأته ميمونة لأمها ، وكذا لحمنة وأم حبيبة به تعلق وحديثهما في سنن أبي داود ، فهؤلاء سبع يمكن أن تفسر المبهمة بإحداهن .

                                                                                                                                                                                                        وأما من استحيضت في عهده - صلى الله عليه وسلم - من الصحابيات غيرهن فسهلة بنت سهيل ذكرها أبو داود أيضا ، وأسماء بنت مرثد ذكرها البيهقي وغيره ، وبادية بنت غيلان ذكرها ابن منده ، وفاطمة بنت أبي حبيش وقصتها عن عائشة في الصحيحين ، ووقع في سنن أبي داود عن فاطمة بنت قيس فظن بعضهم أنها القرشية الفهرية والصواب أنها بنت أبي حبيش واسم أبي حبيش قيس ، فهؤلاء أربع نسوة أيضا وقد كملن عشرا بحذف زينب بنت أبي سلمة .

                                                                                                                                                                                                        وفي الحديث جواز مكث المستحاضة في المسجد وصحة اعتكافها وصلاتها وجواز حدثها في المسجد عند أمن التلويث ويلتحق بها دائم الحدث ومن به جرح يسيل .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية