الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        3221 حدثنا محمد بن سعيد ابن الأصبهاني أخبرنا ابن المبارك عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إنما سمي الخضر أنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز من خلفه خضراء

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        وذكر المصنف في هذا الباب حديث أبي هريرة إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز من خلفه خضراء ، وتعلقه بالباب ظاهر من جهة ذكر الخضر فيه ، وقد زاد عبد الرزاق في مصنفه بعد أن أخرجه بهذا الإسناد : الفرو الحشيش الأبيض وما أشبهه . قال عبد الله بن أحمد بعد أن رواه عن أبيه عنه : أظن هذا تفسيرا من عبد الرزاق انتهى . وجزم بذلك عياض . وقال الحربي : الفروة من الأرض قطعة يابسة من حشيش ، وهذا موافق لقول عبد الرزاق . وعن ابن الأعرابي : الفروة أرض بيضاء ليس فيها نبات ، وبهذا جزم الخطابي ومن تبعه ، وحكي عن مجاهد أنه قيل له الخضر لأنه كان إذا صلى اخضر ما حوله .

                                                                                                                                                                                                        والخضر قد اختلف في اسمه
                                                                                                                                                                                                        قبل ذلك وفي اسم أبيه وفي نسبه وفي نبوته وفي تعميره ، فقال وهب بن منبه : هو بليا بفتح الموحدة وسكون اللام بعدها تحتانية ، ووجد بخط الدمياطي في أول الاسم بنقطتين ، وقيل : كالأول بزيادة ألف بعد الباء ، وقيل اسمه إلياس ، وقيل اليسع ، وقيل عامر ، وقيل خضرون - والأول أثبت - ابن ملكان بن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفشخذ بن سام بن نوح ، فعلى هذا فمولده قبل إبراهيم الخليل لأنه يكون ابن عم جد إبراهيم ، وقد حكى الثعلبي قولين في أنه كان قبل [ ص: 500 ] الخليل أو بعده ، قال وهب وكنيته أبو العباس ، وروى الدارقطني في " الأفراد " من طريق مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس قال : هو ابن آدم لصلبه ، وهو ضعيف منقطع ، وذكر أبو حاتم السجستاني في " المعمرين " أنه ابن قابيل بن آدم رواه عن أبي عبيدة وغيره ، وقيل : اسمه أرميا بن طيفاء حكاه ابن إسحاق ، عن وهب ، وأرميا بكسر أوله وقيل بضمه وأشبعها بعضهم واوا ، واختلف في اسم أبيه فقيل ملكان وقيل كلمان وقيل عاميل وقيل قابل ، والأول أشهر ، وعن إسماعيل بن أبي أويس : هو المعمر بن مالك بن عبد الله بن نصر بن الأزد ، وحكى السهيلي عن قوم أنه كان ملكا من الملائكة وليس من بني آدم ، وعن ابن لهيعة كان ابن فرعون نفسه ، وقيل ابن بنت فرعون ، وقيل : اسمه خضرون بن عاييل بن معمر بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم ، وقيل : كان أبوه فارسيا رواه الطبري من طريق عبد الله بن شوذب ، وحكى ابن ظفر في تفسيره أنه كان من ذرية بعض من آمن بإبراهيم ، وقيل : إنه الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه فلا يموت حتى ينفخ في الصور ، وروى الدارقطني في الحديث المذكور قال : مد للخضر في أجله حتى يكذب الدجال . وقال عبد الرزاق في مصنفه عن معمر في قصة الذي يقتله الدجال ثم يحييه : بلغني أنه الخضر . وكذا قال إبراهيم بن سفيان الراوي عن مسلم في صحيحه . وروى ابن إسحاق في " المبتدإ " عن أصحابه أن آدم أخبر بنيه عند الموت بأمر الطوفان ، ودعا لمن يحفظ جسده بالتعمير حتى يدفنه ، فجمع نوح بنيه لما وقع الطوفان وأعلمهم بذلك فحفظوه ، حتى كان الذي تولى دفنه الخضر . وروى خيثمة بن سليمان من طريق جعفر الصادق عن أبيه أن ذا القرنين كان له صديق من الملائكة ، فطلب منه أن يدله على شيء يطول به عمره فدله على عين الحياة وهي داخل الظلمة ، فسار إليها والخضر على مقدمته فظفر بها الخضر ولم يظفر بها ذو القرنين . وروي عن مكحول ، عن كعب الأحبار قال : أربعة من الأنبياء أحياء أمان لأهل الأرض : اثنان في الأرض الخضر وإلياس ، واثنان في السماء إدريس وعيسى .

                                                                                                                                                                                                        وحكى ابن عطية البغوي عن أكثر أهل العلم أنه نبي ثم اختلفوا هل هو رسول أم لا ؟ وقالت طائفة منهم القشيري هو ولي . وقال الطبري في تاريخه : كان الخضر في أيام أفريدون في قول عامة علماء الكتاب الأول ، وكان على مقدمة ذي القرنين الأكبر . وأخرج النقاش أخبارا كثيرة تدل على بقائه لا تقوم بشيء منها حجة قاله ابن عطية ، قال : ولو كان باقيا لكان له في ابتداء الإسلام ظهور ، ولم يثبت شيء من ذلك . وقال الثعلبي في تفسيره : هو معمر على جميع الأقوال ، محجوب عن الأبصار . قال وقد قيل إنه لا يموت إلا في آخر الزمان حين يرفع القرآن . قال القرطبي : هو نبي عند الجمهور والآية تشهد بذلك ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يتعلم ممن هو دونه ، ولأن الحكم بالباطن لا يطلع عليه إلا الأنبياء . وقال ابن الصلاح : هو حي عند جمهور العلماء والعامة معهم في ذلك ، وإنما شذ بإنكاره بعض المحدثين . وتبعه النووي وزاد أن ذلك متفق عليه بين الصوفية وأهل الصلاح ، وحكاياتهم في رؤيته والاجتماع به أكثر من أن تحصر انتهى . والذي جزم بأنه غير موجود الآن البخاري وإبراهيم الحربي وأبو جعفر بن المنادى وأبو يعلى بن الفراء وأبو طاهر العبادي وأبو بكر بن العربي ، وطائفة ، وعمدتهم الحديث المشهور عن ابن عمر وجابر وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم : قال في آخر حياته : لا يبقى على وجه الأرض بعد مائة سنة ممن هو عليها اليوم أحد قال ابن عمر : أراد بذلك انخرام قرنه . وأجاب من أثبت حياته بأنه كان حينئذ على وجه البحر ، أو هو مخصوص من الحديث كما خص منه إبليس بالاتفاق . ومن حجج من أنكر ذلك قوله تعالى : [ ص: 501 ] وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد وحديث ابن عباس ما بعث الله نبيا إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه أخرجه البخاري ولم يأت في خبر صحيح أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا قاتل معه ، وقد قال صلى الله عليه وسلم يوم بدر : اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض فلو كان الخضر موجودا لم يصح هذا النفي . وقال صلى الله عليه وسلم : رحم الله موسى لوددنا لو كان صبر حتى يقص علينا من خبرهما فلو كان الخضر موجودا لما حسن هذا التمني ولأحضره بين يديه وأراه العجائب وكان أدعى لإيمان الكفرة لا سيما أهل الكتاب . وجاء في اجتماعه مع النبي صلى الله عليه وسلم حديث ضعيف أخرجه ابن عدي من طريق كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع وهو في المسجد كلاما فقال : يا أنس اذهب إلى هذا القائل فقل له يستغفر لي ، فذهب إليه ، فقال : قل له إن الله فضلك على الأنبياء بما فضل به رمضان على الشهور . قال فذهبوا ينظرون فإذا هو الخضر إسناده ضعيف .

                                                                                                                                                                                                        وروى ابن عساكر من حديث أنس نحوه بإسناد أوهى منه ، وروى الدارقطني في " الأفراد " من طريق عطاء عن ابن عباس مرفوعا يجتمع الخضر وإلياس كل عام في الموسم ، فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه ، ويفترقان عن هؤلاء الكلمات : بسم الله ما شاء الله ، الحديث ، في إسناده محمد بن أحمد بن زيد بمعجمة ثم موحدة ساكنة وهو ضعيف . وروى ابن عساكر من طريق هشام بن خالد عن الحسن بن يحيى عن ابن أبي رواد نحوه ، وزاد ويشربان من ماء زمزم شربة تكفيهما إلى قابل وهذا معضل . ورواه أحمد في الزهد بإسناد حسن عن ابن أبي رواد وزاد أنهما يصومان رمضان ببيت المقدس وروى الطبري من طريق عبد الله بن شوذب نحوه . وروي عن علي أنه " دخل الطواف فسمع رجلا يقول يا من لا يشغله سمع عن سمع " الحديث فإذا هو الخضر ، أخرجه ابن عساكر من وجهين في كل منهما ضعف ، وهو في " المجالسة " من الوجه الثاني . وجاء في اجتماعه ببعض الصحابة فمن بعدهم أخبار أكثرها واهي الإسناد ، منها ما أخرجه ابن أبي الدنيا والبيهقي من حديث أنس " لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم دخل رجل فتخطاهم - فذكر الحديث في التعزية - فقال أبو بكر وعلي : هذا الخضر " في إسناده عباد بن عبد الصمد وهو واه . وروى سيف في الردة نحوه بإسناد آخر مجهول . وروى ابن أبي حاتم من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن علي نحوه . وروى ابن وهب من طريق ابن المنكدر " أن عمر صلى على جنازة ، فسمع قائلا يقول : لا تسبقنا - فذكر القصة - وفيها : أنه دعا للميت ، فقال عمر : خذوا الرجل ، فتوارى عنهم فإذا أثر قدمه ذراع ، فقال عمر : هذا والله الخضر " في إسناده مجهول مع انقطاعه .

                                                                                                                                                                                                        وروى أحمد في الزهد من طريق مسعر عن معن بن عبد الرحمن عن عون بن عبد الله قال : بينا رجل بمصر في فتنة ابن الزبير مهموما إذ لقيه رجل فسأله فأخبره باهتمامه بما فيه الناس من الفتن ، فقال : قل اللهم سلمني وسلم مني ، قال فقالها فسلم . قال مسعر : يرون أنه الخضر . وروى يعقوب بن سفيان في تاريخه وأبو عروبة من طريق رياح بالتحتانية ابن عبيدة قال : رأيت رجلا يماشي عمر بن عبد العزيز معتمدا على يديه فلما انصرف قلت له من الرجل ؟ قال : رأيته ؟ قلت : نعم . قال أحسبك رجلا صالحا ، ذاك أخي الخضر بشرني أني سأولى وأعدل . لا بأس برجاله . ولم يقع لي إلى الآن خبر ولا أثر بسند جيد غيره ، وهذا لا يعارض الحديث الأول في مائة سنة فإن ذلك كان قبل المائة . وروى [ ص: 502 ] ابن عساكر من طريق كرز بن وبرة قال : أتاني أخ لي من أهل الشام فقال اقبل مني هذه الهدية ، إن إبراهيم التيمي حدثني قال : كنت جالسا بفناء الكعبة أذكر الله ، فجاءني رجل فسلم علي ; فلم أر أحسن وجها منه ولا أطيب ريحا ، فقلت : من أنت ؟ فقال أنا أخوك الخضر . قال فعلمه شيئا إذا فعله رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام . وفي إسناده مجهول وضعيف . وروى ابن عساكر في ترجمة أبي زرعة الرازي بسند صحيح أنه رأى وهو شاب رجلا نهاه عن غشيان أبواب الأمراء ، ثم رآه بعد أن صار شيخا كبيرا على حالته الأولى فنهاه عن ذلك أيضا ، قال فالتفت لأكلمه فلم أره ، فوقع في نفسي أنه الخضر . وروى عمر الجمحي في فرائده والفاكهي في " كتاب مكة " بسند فيه مجهول عن جعفر بن محمد أنه رأى شيخا كبيرا يحدث أباه ثم ذهب ، فقال له أبوه رده علي ، قال فتطلبته فلم أقدر عليه ، فقال لي أبي : ذاك الخضر . وروى البيهقي من طريق الحجاج بن فرافصة أن رجلين كانا يتبايعان عند ابن عمر ، فقام عليهم رجل فنهاهما عن الحلف بالله ووعظهم بموعظة ، فقال ابن عمر لأحدهما : اكتبها منه ، فاستعاده حتى حفظها ثم تطلبه فلم يره ، قال : وكانوا يرون أنه الخضر .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية