الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        3467 حدثنا إسماعيل بن عبد الله حدثنا سليمان بن بلال عن هشام بن عروة قال أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وأبو بكر بالسنح قال إسماعيل يعني بالعالية فقام عمر يقول والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت وقال عمر والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك وليبعثنه الله فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم فجاء أبو بكر فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله قال بأبي أنت وأمي طبت حيا وميتا والذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبدا ثم خرج فقال أيها الحالف على رسلك فلما تكلم أبو بكر جلس عمر فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه وقال ألا من كان يعبد محمدا صلى الله عليه وسلم فإن محمدا قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت وقال إنك ميت وإنهم ميتون وقال وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين قال فنشج الناس يبكون قال واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا منا أمير ومنكم أمير فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر وكان عمر يقول والله ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلاما قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس فقال في كلامه نحن الأمراء وأنتم الوزراء فقال حباب بن المنذر لا والله لا نفعل منا أمير ومنكم أمير فقال أبو بكر لا ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء هم أوسط العرب دارا وأعربهم أحسابا فبايعوا عمر أو أبا عبيدة بن الجراح فقال عمر بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس فقال قائل قتلتم سعد بن عبادة فقال عمر قتله الله وقال عبد الله بن سالم عن الزبيدي قال عبد الرحمن بن القاسم أخبرني القاسم أن عائشة رضي الله عنها قالت شخص بصر النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال في الرفيق الأعلى ثلاثا وقص الحديث قالت فما كانت من خطبتهما من خطبة إلا نفع الله بها لقد خوف عمر الناس وإن فيهم لنفاقا فردهم الله بذلك ثم لقد بصر أبو بكر الناس الهدى وعرفهم الحق الذي عليهم وخرجوا به يتلون وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل إلى الشاكرين

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        الحديث الثاني عشر حديث عائشة في الوفاة وقصة السقيفة ، وسيأتي ما يتعلق بالوفاة في مكانها في أواخر المغازي ، وأما السقيفة فتتضمن بيعة أبي بكر بالخلافة ، وقد أوردها المصنف أيضا من طريق ابن عباس عن عمر في الحدود ، وذكر شيئا منها في الأحكام من [ ص: 36 ] طريق أنس عن عمر أيضا ، وأتمها رواية ابن عباس ، وسأذكر هنا ما فيها من فائدة زائدة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( مات النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر بالسنح ) تقدم ضبطه في أول الجنائز وأنه بسكون النون ، وضبطه أبو عبيد البكري بضمها وقال : إنه منازل بني الحارث من الخزرج بالعوالي ، وبينه وبين المسجد النبوي ميل .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال إسماعيل ) هو شيخ المصنف فيه وهو ابن أبي أويس ، وقوله : " يعني بالعالية " أراد تفسير قول عائشة بالسنح .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ما كان يقع في نفسي إلا ذاك ) يعني عدم موته - صلى الله عليه وسلم - حينئذ ، وقد ذكر عمر مستنده في ذلك كما سأبينه في موضعه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لا يذيقك الله الموتتين ) تقدم شرحه في أوائل الجنائز ، وقد تمسك به من أنكر الحياة في القبر ، وأجيب عن أهل السنة المثبتين لذلك بأن المراد نفي الموت اللازم من الذي أثبته عمر بقوله " وليبعثه الله في الدنيا ليقطع أيدي القائلين بموته " وليس فيه تعرض لما يقع في البرزخ ، وأحسن من هذا الجواب أن يقال : إن حياته - صلى الله عليه وسلم - في القبر لا يعقبها موت بل يستمر حيا ، والأنبياء أحياء في قبورهم ، ولعل هذا هو الحكمة في تعريف الموتتين حيث قال : لا يذيقك الله الموتتين أي المعروفتين المشهورتين الواقعتين لكل أحد غير الأنبياء ، وأما وقوع الحلف من عمر على ما ذكره فبناه على ظنه الذي أداه إليه اجتهاده ، وفيه بيان رجحان علم أبي بكر على عمر فمن دونه ، وكذلك رجحانه عليهم لثباته في مثل ذلك الأمر العظيم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أيها الحالف على رسلك ) بكسر الراء أي هينتك ولا تستعجل ، وتقدم في الطريق الذي بالجنائز أن أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس فقال : اجلس ، فأبى ، فتشهد أبو بكر ، فمال الناس إليه وتركوا عمر . وقد اعتذر عمر عن ذلك كما سيأتي في " باب الاستخلاف " من كتاب الأحكام .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فنشج الناس ) بفتح النون وكسر المعجمة بعدها جيم أي بكوا بغير انتحاب ، والنشج ما يعرض في حلق الباكي من الغصة ، وقيل : هو صوت معه ترجيع كما يردد الصبي بكاءه في صدره .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة ) هو سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة الخزرجي ثم الساعدي ، وكان كبير الخزرج في ذلك الوقت . وذكر ابن إسحاق في آخر السيرة أن أسيد بن حضير في بني عبد الأشهل انحازوا إلى أبي بكر ومن معه وهؤلاء من الأوس . وفي حديث ابن عباس عن عمر " تخلفت عنا الأنصار بأجمعها في سقيفة بني ساعدة " فيجمع بأنهم اجتمعوا أولا ثم افترقوا ، وذلك أن الخزرج والأوس كانوا [ ص: 37 ] فريقين ، وكان بينهم في الجاهلية من الحروب ما هو مشهور ، فزال ذلك بالإسلام وبقي من ذلك شيء في النفوس ، فكأنهم اجتمعوا أولا ، فلما رأى أسيد ومن معه من الأوس أبا بكر ومن معه ، افترقوا من الخزرج إيثارا لتأمير المهاجرين عليهم دون الخزرج . وفيه أن عليا والزبير ومن كان معهما تخلفوا في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فذهب إليهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة ) في رواية ابن عباس المذكورة " فقلت له : يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار " وزاد أبو يعلى من رواية مالك عن الزهري فيه " فبينما نحن في منزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رجل ينادي من وراء الجدار أن اخرج إلي يا ابن الخطاب ، فقلت : إليك عني فإنا عنك مشاغيل يعني بأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له : إنه قد حدث أمر ، فإن الأنصار اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة فأدركوهم قبل أن يحدثوا أمرا يكون فيه حرب . فقلت لأبي بكر : انطلق - فذكره - قال : فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا رجلان صالحان فقالا : لا عليكم ألا تقربوهم ، واقضوا أمركم . قال : فقلت : والله لآتينهم ، فانطلقنا ، فإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل ، فقلت : من هذا ؟ قالوا : " سعد بن عبادة " وذكر في آخر الحديث عن عروة أن الرجلين اللذين لقياهم هما عويم بن ساعدة بن عباس بن قيس بن النعمان من بني مالك بن عوف ، ومعن بن عدي بن الجعد بن العجلان حليفهم وهما من الأوس أيضا ، وكذا وقعت تسميتهما في رواية ابن عيينة عن الزهري ، أخرجه الزبير بن بكار .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فذهب عمر يتكلم ، فأسكته أبو بكر إلخ ) وفي رواية ابن عباس " قال عمر : أردت أن أتكلم ، وقد كنت زورت - أي هيأت وحسنت - مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر ، وكنت أداري منه بعض الحد - أي الحدة - فقال : على رسلك ، فكرهت أن أغضبه " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس ) بنصب أبلغ على الحال ، ويجوز الرفع على الفاعلية ، أي تكلم رجل هذه صفته . وقال السهيلي : النصب أوجه ليكون تأكيدا لمدحه وصرف الوهم عن أن يكون أحد موصوفا بذلك غيره . وفي رواية ابن عباس قال : " قال عمر : والله ما ترك كلمة أعجبتني في تزويري إلا قالها في بديهته وأفضل حتى سكت " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال في كلامه ) وقع في رواية حميد بن عبد الرحمن بيان ما قال في روايته " فتكلم أبو بكر فلم يترك شيئا أنزل في الأنصار ولا ذكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شأنهم إلا ذكره " ووقع في رواية ابن عباس بيان بعض ذلك الكلام وهو " أما بعد فما ذكرتم من خير فأنتم أهله ، ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش ، وهم أوسط العرب نسبا ودارا " وعرف المراد بقوله بعد في هذه الرواية " هم أوسط العرب دارا وأعربهم أحسابا " والمراد بالدار مكة ، وقال الخطابي : أراد بالدار أهل الدار ومنه قوله : خير دور الأنصار بنو النجار وقوله : " أحسابا " الحسب الفعال الحسان مأخوذ من الحساب إذا عدوا مناقبهم ، فمن كان أكثر كان أعظم حسبا ، [ ص: 38 ] ويقال النسب للآباء والحسب للأفعال .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال حباب ) بضم المهملة وموحدتين الأولى خفيفة ( ابن المنذر ) أي ابن عمرو بن الجموح الخزرجي ثم السلمي بفتحتين ، وكان يقال له : ذو الرأي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لا والله لا نفعل ، منا أمير ومنكم أمير ) زاد في رواية ابن عباس أنه قال : " أنا جديلها المحكك ، وعذيقها المرجب " وشرح هاتين الكلمتين أن العذيق بالذال المعجمة تصغير عذق وهو النخلة ، والمرجب بالجيم والموحدة أي يدعم النخلة إذا كثر حملها ، والجديل بالتصغير أيضا وبالجيم ، والجدل عود ينصب للإبل الجرباء لتحتك فيه ، والمحكك بكافين الأولى مفتوحة فأراد أنه يستشفى برأيه . ووقع عند ابن سعد من رواية يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد " فقام حباب بن المنذر وكان بدريا فقال : منا أمير ومنكم أمير ، فإنا والله ما ننفس عليكم هذا الأمر ، ولكنا نخاف أن يليه أقوام قتلنا آباءهم وإخوتهم . قال فقال له عمر : إذا كان ذلك فمت إن استطعت . قال : فتكلم أبو بكر فقال : نحن الأمراء وأنتم الوزراء ، وهذا الأمر بيننا وبينكم . قال فبايع الناس وأولهم بشير بن سعد والد النعمان " وعند أحمد من طريق أبي نضرة عن أبي سعيد " فقام خطيب الأنصار فقال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا استعمل رجلا منكم قرنه برجل منا ، فتبايعوا على ذلك . فقام زيد بن ثابت فقال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان من المهاجرين وإنما الإمام من المهاجرين ، فنحن أنصار الله كما كنا أنصار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فقال أبو بكر : جزاكم الله خيرا فبايعوه " .

                                                                                                                                                                                                        ووقع في آخر المغازي لموسى بن عقبة عن ابن شهاب أن أبا بكر قال في خطبته : " وكنا معشر المهاجرين أول الناس إسلاما ونحن عشيرته وأقاربه وذوو رحمه ، ولن تصلح العرب إلا برجل من قريش ، فالناس لقريش تبع ، وأنتم إخواننا في كتاب الله ، وشركاؤنا في دين الله ، وأحب الناس إلينا ، وأنتم أحق الناس بالرضا بقضاء الله ، والتسليم لفضيلة إخوانكم ، وأن لا تحسدوهم على خير " وقال فيه : " إن الأنصار قالوا أولا : نختار رجلا من المهاجرين وإذا مات اخترنا رجلا من الأنصار ، فإذا مات اخترنا رجلا من المهاجرين كذلك أبدا فيكون أجدر أن يشفق القرشي إذا زاغ أن ينقض عليه الأنصاري وكذلك الأنصاري . قال : فقال عمر : لا والله لا يخالفنا أحد إلا قتلناه ، فقام حباب بن المنذر فقال كما تقدم وزاد : وإن شئتم كررناها خدعة " أي أعدنا الحرب . قال : فكثر القول حتى كاد أن يكون بينهم حرب فوثب عمر فأخذ بيد أبي بكر " ، وعند أحمد من طريق حميد بن عبد الرحمن بن عوف قال : " توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر في طائفة من المدينة - فذكر الحديث قال - فتكلم أبو بكر فقال : " والله لقد علمت يا سعد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وأنت قاعد : قريش ولاة هذا الأمر ، فقال له سعد : صدقت " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( هم أوسط العرب ) أي قريش .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فبايعوا عمر بن الخطاب أو أبا عبيدة ) في رواية ابن عباس عن عمر " وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين وأخذ بيدي ويد أبي عبيدة ، فلم أكره مما قال غيرها " وقد استشكل قول أبي بكر هذا مع معرفته بأنه الأحق بالخلافة بقرينة تقديمه في الصلاة وغير ذلك ، والجواب أنه استحيا أن يزكي نفسه فيقول مثلا : رضيت لكم [ ص: 39 ] نفسي ، وانضم إلى ذلك أنه علم أن كلا منهما لا يقبل ذلك ، وقد أفصح عمر بذلك في القصة ، وأبو عبيدة بطريق الأولى لأنه دون عمر في الفضل باتفاق أهل السنة ، ويكفي أبا بكر كونه جعل الاختيار في ذلك لنفسه فلم ينكر ذلك عليه أحد ، ففيه إيماء إلى أنه الأحق ، فظهر أنه ليس في كلامه تصريح بتخليه من الأمر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال عمر : بل نبايعك أنت ، فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) قد أفرد بعض الرواة هذا القدر من هذا الحديث ، فأخرجه الترمذي عن إبراهيم بن سعيد الجوهري عن إسماعيل بن أبي أويس شيخ المصنف فيه بهذا الإسناد " أن عمر قال لأبي بكر : أنت سيدنا إلخ " وأخرجه ابن حبان من هذا الوجه ، وهو أوضح ما يدخل في هذا الباب من هذا الحديث .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فأخذ عمر بيده فبايعه ) في رواية ابن عباس عن عمر " قال : فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى خشينا الاختلاف ، فقلت : ابسط يدك يا أبا بكر ، فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثم الأنصار " وفي مغازي موسى بن عقبة عن ابن شهاب " قال : فقام أسيد بن الحضير وبشير بن سعد وغيرهما من الأنصار فبايعوا أبا بكر ، ثم وثب أهل السقيفة يبتدرون البيعة " ووقع في حديث سالم بن عبيد عند البزار في قصة الوفاة " فقالت الأنصار : منا أمير ومنكم أمير . فقال عمر - وأخذ بيد أبي بكر - أسيفان في غمد واحد ؟ لا يصطلحان ، وأخذ بيد أبي بكر فقال : من له هذه الثلاثة ؟ إذ هما في الغار من هما ؟ إذ يقول لصاحبه من صاحبه ؟ إن الله معنا مع من ؟ ثم بسط يده فبايعه ثم قال : بايعوه ، فبايعه الناس " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال قائل : قتلتم سعد بن عبادة ) أي كدتم تقتلونه ، وقيل : هو كناية عن الإعراض والخذلان ، ويرده ما وقع في رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب " فقال قائل من الأنصار : أبقوا سعد بن عبادة لا تطئوه ، فقال عمر : اقتلوه قتله الله " . نعم لم يرد عمر الأمر بقتله حقيقة ، وأما قوله : " قتله الله " فهو دعاء عليه ، وعلى الأول هو إخبار عن إهماله والإعراض عنه ، وفي حديث مالك " فقلت وأنا مغضب : قتل الله سعدا فإنه صاحب شر وفتنة " قال ابن التين : إنما قالت الأنصار " منا أمير ومنكم أمير " على ما عرفوه من عادة العرب أن لا يتأمر على القبيلة إلا من يكون منها ، فلما سمعوا حديث : الأئمة من قريش رجعوا عن ذلك وأذعنوا .

                                                                                                                                                                                                        قلت حديث : الأئمة من قريش سيأتي ذكر من أخرجه بهذا اللفظ في كتاب الأحكام [1] ، ولم يقع في هذه القصة إلا بمعناه ، وقد جمعت طرقه عن نحو أربعين صحابيا لما بلغني أن بعض فضلاء العصر ذكر أنه لم يرو إلا عن أبي بكر الصديق . واستدل به الداودي على أن إقامة الخليفة سنة مؤكدة ؛ لأنهم أقاموا مدة لم يكن لهم إمام حتى بويع أبو بكر ، وتعقب بالاتفاق على فرضيتها وبأنهم تركوا لأجل إقامتها أعظم المهمات وهو التشاغل بدفن النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى فرغوا منها ، والمدة المذكورة زمن يسير في بعض يوم يغتفر مثله لاجتماع الكلمة ، واستدل بقول الأنصار " منا أمير ومنكم أمير " على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستخلف ، وبذلك صرح عمر كما سيأتي ; ووجه الدلالة أنهم قالوا ذلك في مقام من لا يخاف شيئا ولا يتقيه ، وكذلك ما أخرجه مسلم عن ابن أبي [ ص: 40 ] مليكة " سألت عائشة : من كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستخلفا ؟ قالت : أبو بكر . قيل : ثم من ؟ قالت : عمر . قيل : ثم من ؟ قالت : أبو عبيدة بن الجراح " . ووجدت في الترمذي من طريق عبد الله بن شقيق ما يدل على أنه هو الذي سأل عائشة عن ذلك . قال القرطبي في " المفهم " : لو كان عند أحد من المهاجرين والأنصار نص من النبي - صلى الله عليه وسلم - على تعيين أحد بعينه للخلافة لما اختلفوا في ذلك ولا تفاوضوا فيه ، قال : وهذا قول جمهور أهل السنة ، واستند من قال : إنه نص على خلافة أبي بكر بأصول كلية وقرائن حالية تقتضي أنه أحق بالإمامة وأولى بالخلافة . قلت : وقد تقدم بعضها في ترجمته ، وسيأتي بعضها في الوفاة النبوية آخر المغازي إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال عبد الله بن سالم ) هو الحمصي الأشعري ، تقدم ذكره في المزارعة ، والزبيدي هو محمد بن الوليد صاحب الزهري ، وعبد الرحمن بن القاسم أي ابن أبي بكر الصديق . وهذه الطريق لم يوردها البخاري إلا معلقة ولم يسقها بتمامها ، وقد وصلها الطبراني في مسند الشاميين ، وقوله : " شخص " بفتح المعجمتين ثم مهملة أي ارتفع ، وقوله : " وقص الحديث " يعني فيما يتعلق بالوفاة ، وقول عمر : ( إنه لم يمت ولن يموت حتى يقطع أيدي رجال من المنافقين وأرجلهم ) وقول أبي بكر : ( إنه مات ) وتلاوته الآيتين كما تقدم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قالت عائشة فما كانت من خطبتهما من خطبة إلا نفع الله بها ) أي من خطبتي أبي بكر وعمر ، و " من " الأولى تبعيضية أو بيانية ، والثانية زائدة ، ثم شرحت ذلك فقالت : ( لقد خوف عمر الناس ) أي بقوله المذكور ، ووقع في رواية الأصيلي " لقد خوف أبو بكر الناس " وهو غلط ، وقولها : ( وإن فيهم لنفاقا ) أي إن في بعضهم منافقين ، وهم الذين عرض بهم عمر في قوله المتقدم . ووقع في رواية الحميدي في الجمع بين الصحيحين " وإن فيهم لتقى : " فقيل : إنه من إصلاحه ، وإنه ظن أن قوله : " وإن فيهم لنفاقا " تصحيف فصيره " لتقى " كأنه استعظم أن يكون في المذكورين نفاقا . وقال عياض : لا أدري هو إصلاح منه أو رواية ؟ وعلى الأول فلا استعظام ، فقد ظهر في أهل الردة ذلك ، ولا سيما عند الحادث العظيم الذي أذهل عقول الأكابر فكيف بضعفاء الإيمان ، فالصواب ما في النسخ . انتهى . وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق البخاري وقال فيه " إن فيهم لنفاقا " .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية