الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب قصة أبي طالب

                                                                                                                                                                                                        3670 حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان حدثنا عبد الملك حدثنا عبد الله بن الحارث حدثنا العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما أغنيت عن عمك فإنه كان يحوطك ويغضب لك قال هو في ضحضاح من نار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار [ ص: 233 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 233 ] قوله : ( باب قصة أبي طالب ) واسمه عند الجميع عبد مناف ، وشذ من قال عمران ، بل هو قول باطل نقله ابن تيمية في كتاب الرد على الرافضي أن بعض الروافض زعم أن قوله تعالى : إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران أن آل عمران هم آل أبي طالب وأن اسم أبي طالب عمران واشتهر بكنيته . وكان شقيق عبد الله والد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولذلك أوصى به عبد المطلب عند موته فكفله إلى أن كبر ، واستمر على نصره بعد أن بعث إلى أن مات أبو طالب ، وقد ذكرنا أنه مات بعد خروجهم من الشعب ، وذلك في آخر السنة العاشرة من المبعث ، وكان يذب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ويرد عنه كل من يؤذيه ، وهو مقيم مع ذلك على دين قومه . وقد تقدم قريبا حديث ابن مسعود " وأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمنعه الله بعمه " وأخباره في حياطته والذب عنه معروفة مشهورة ، ومما اشتهر من شعره في ذلك قوله :


                                                                                                                                                                                                        والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا



                                                                                                                                                                                                        وقوله .

                                                                                                                                                                                                        كذبتم وبيت الله نبزي محمدا ولما نقاتل حوله ونناضل



                                                                                                                                                                                                        وقد تقدم شيء من هذه القصيدة في كتاب الاستسقاء ، وحديث ابن عباس في هذا الباب يشهد لذلك . ثم ذكر المصنف ثلاثة أحاديث : الأول

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن يحيى ) هو ابن سعيد القطان ، وسفيان هو الثوري ، وعبد الملك هو ابن عمير ، وعبد الله بن الحارث هو ابن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب ، والعباس عم جده .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 234 ] قوله : ( ما أغنيت عن عمك ) يعني أبا طالب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كان يحوطك ) بضم الحاء المهملة من الحياطة وهي المراعاة ، وفيه تلميح إلى ما ذكره ابن إسحاق قال : " ثم إن خديجة وأبا طالب هلكا في عام واحد قبل الهجرة بثلاث سنين ، وكانت خديجة له وزيرة صدق على الإسلام يسكن إليها ، وكان أبو طالب له عضدا وناصرا على قومه ، فلما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأذى ما لم تطمع به في حياة أبي طالب ، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فغمر على رأسه ترابا : فحدثني هشام بن عروة عن أبيه قال : فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيته يقول : ما نالتني قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ويغضب لك ) يشير إلى ما كان يرد به عنه من قول وفعل .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( هو في ضحضاح ) بمعجمتين ومهملتين هو استعارة ، فإن الضحضاح من الماء ما يبلغ الكعب ، ويقال أيضا لما قد قرب من الماء وهو ضد الغمرة ، والمعنى أنه خفف عنه العذاب . وقد ذكر في حديث أبي سعيد ثالث أحاديث الباب أنه يجعل في ضحضاح يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه . ووقع في حديث ابن عباس عند مسلم إن أهون أهل النار عذابا أبو طالب له نعلان يغلي منهما دماغه ولأحمد من حديث أبي هريرة مثله لكن لم يسم أبا طالب ، وللبزار من حديث جابر قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - : هل نفعت أبا طالب ؟ قال : أخرجته من النار إلى ضحضاح منها وسيأتي في أواخر الرقاق من حديث النعمان بن بشير نحوه وفي آخره " كما يغلي المرجل بالقمقم " والمرجل بكسر الميم وفتح الجيم الإناء الذي يغلي فيه الماء وغيره ، والقمقم بضم القافين وسكون الميم الأولى معروف وهو الذي يسخن فيه الماء . قال ابن الأثير : كذا وقع " كما يغلي المرجل بالقمقم " وفيه نظر . ووقع في نسخة " كما يغلي المرجل والقمقم " وهذا أوضح إن ساعدته الرواية ، انتهى . ويحتمل أن تكون الباء بمعنى مع ، وقيل : القمقم هو البسر كانوا يغلونه على النار استعجالا لنضجه فإن ثبت هذا زال الإشكال .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) : في سؤال العباس عن حال أبي طالب ما يدل على ضعف ما أخرجه ابن إسحاق من حديث ابن عباس بسند فيه من لم يسم " أن أبا طالب لما تقارب منه الموت بعد أن عرض عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقول : لا إله إلا الله ؛ فأبى ، قال : فنظر العباس إليه وهو يحرك شفتيه فأصغى إليه فقال : يا ابن أخي ، والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته أن يقولها " وهذا الحديث لو كان طريقه صحيحا لعارضه هذا الحديث الذي هو أصح منه فضلا عن أنه لا يصح . وروى أبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن الجارود من حديث علي قال : لما مات أبو طالب قلت : يا رسول الله إن عمك الشيخ الضال قد مات . قال : اذهب فواره . قلت : إنه مات مشركا . فقال : اذهب فواره الحديث . ووقفت على جزء جمعه بعض أهل الرفض أكثر فيه من الأحاديث الواهية الدالة على إسلام أبي طالب ولا يثبت من ذلك شيء ، وبالله التوفيق ، وقد لخصت ذلك في ترجمة أبي طالب من كتاب الإصابة . الحديث الثاني .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية