الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        3706 حدثنا أصبغ حدثنا ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أن أبا بكر رضي الله عنه تزوج امرأة من كلب يقال لها أم بكر فلما هاجر أبو بكر طلقها فتزوجها ابن عمها هذا الشاعر الذي قال هذه القصيدة رثى كفار قريش

                                                                                                                                                                                                        وماذا بالقليب قليب بدر من الشيزى تزين بالسنام     وماذا بالقليب قليب بدر
                                                                                                                                                                                                        من القينات والشرب الكرام     تحيينا السلامة أم بكر
                                                                                                                                                                                                        وهل لي بعد قومي من سلام     يحدثنا الرسول بأن سنحيا
                                                                                                                                                                                                        وكيف حياة أصداء وهام

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أن أبا بكر تزوج امرأة من كلب ) أي من بني كلب ، وهو كلب بن عوف بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ، ويدل عليه ما وقع في رواية الترمذي الحكيم من طريق الزبيدي عن الزهري في هذا الحديث " ثم من بني عوف " وأما الكلبي المشهور فهو من بني كلب بن وبرة بن تغلب بن قضاعة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أم بكر ) لم أقف على اسمها ، وكأنه كنيتها المذكورة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فلما هاجر أبو بكر طلقها . فتزوجها ابن عمها هذا الشاعر ) هو أبو بكر شداد بن الأسود بن عبد شمس بن مالك بن جعونة ، ويقال له : ابن شعوب بفتح المعجمة وضم المهملة وسكون الواو بعدها موحدة ، قال ابن حبيب : هي أمه وهي خزاعية ، لكن سماه عمرو بن شمر ، وأنشد له أشعارا كثيرة قالها في الكفر ، قال : ثم أسلم . وذكر مثله ابن الأعرابي في " كتاب من نسب إلى أمه " وزعم أبو عبيدة أنه ارتد بعد إسلامه ، حكاه عنه ابن هشام في " زوائد السيرة " والأول أولى . وزاد الفاكهي في هذا الحديث من الوجه الذي أخرجه منه البخاري " قالت عائشة : والله ما قال أبو بكر بيت شعر في الجاهلية ولا الإسلام ، ولقد ترك هو وعثمان شرب الخمرفي الجاهلية " وهذا يضعف ما أخرجه الفاكهي أيضا من طريق عوف عن أبي القموص قال : " شرب أبو بكر الخمر قبل أن تحرم وقال هذه الأبيات ، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فغضب ، فبلغ ذلك عمر فجاء فقال : نعوذ بالله من غضب رسول الله ، والله لا تلج رءوسنا بعد هذا أبدا " قال : وكان أول من حرمها ، فلهذا قد عارضه قول عائشة ، وهي أعلم بشأن أبيها من غيرها . وأبو القموص لم يدرك أبا بكر ، فالعهدة على [ ص: 304 ] الواسطة ، فلعله كان من الروافض ، ودل حديث عائشة على أن لنسبة أبي بكر إلى ذلك أصلا وإن كان غير ثابت عنه ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( رثى كفار قريش ) يعني يوم بدر لما قتلوا وألقاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في القليب ، وهي البئر التي لم تطو . قوله : ( من الشيزى ) بكسر المعجمة وسكون التحتانية بعدها زاي مقصور ، وهو شجر يتخذ منه الجفان والقصاع الخشب التي يعمل فيها الثريد . وقال الأصمعي : هي من شجر الجوز تسود بالدسم ، والشيزى جمع شيز والشيز يغلظ حتى ينحت منه ، فأراد بالشيزى ما يتخذ منها وبالجفنة صاحبها كأنه قال : ماذا بالقليب من أصحاب الجفان الملأى بلحوم أسنمة الإبل ، وكانوا يطلقون على الرجل المطعام " جفنة " لكثرة إطعامه الناس فيها . وأغرب الداودي فقال : الشيزى : الجمال ، قال : لأن الإبل إذا سمنت تعظم أسنمتها ويعظم جمالها . وغلطه ابن التين قال : وإنما أراد أن الجفنة من الثريد تزين بقطع اللحم من السنام .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( القينات ) جمع قينة بفتح القاف وسكون التحتانية بعدها نون هي المغنية ، وتطلق أيضا على الأمة مطلقا . " والشرب " بفتح المعجمة وسكون الراء جمع شارب ، وقيل : هو اسم جمع ، وجزم ابن التين بالأول فقال : هو كتجر وتاجر والمراد بهم الندامى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( تحيينا ) في رواية الكشميهني " تحييني " بالإفراد ، وقوله : " فهل " في رواية الكشميهني " وهل لي " بالواو ، وقوله : " من سلام " أي من سلامة ، وفيه قوة لمن قال : المراد من السلام الدعاء بالسلامة أو الإخبار بها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أصداء ) جمع صدى وهو ذكر البوم ، وهام جمع هامة وهو الصدى أيضا وهو عطف تفسيري ، وقيل : الصدى الطائر الذي يطير بالليل ، والهامة جمجمة الرأس وهي التي يخرج منها الصدى بزعمهم ، وأراد الشاعر إنكار البعث بهذا الكلام كأنه يقول : إذا صار الإنسان كهذا الطائر كيف يصير مرة أخرى إنسانا . وقال أهل اللغة : كان أهل الجاهلية يزعمون أن روح القتيل الذي لا يدرك بثأره تصير هامة فتزقو وتقول : اسقوني اسقوني ، وإذا أدرك بثأره طارت فذهبت ، قال الشاعر :


                                                                                                                                                                                                        إنك إلا تذر شتمي ومنقصتي أضربك حتى تقول الهامة اسقوني

                                                                                                                                                                                                        وقد أورد ابن هشام هذه الأبيات في " السيرة " بزيادة خمسة أبيات ، ووقع عند الإسماعيلي من طريق أخرى عن ابن وهب ، وعن عنبسة بن خالد أيضا ، كلاهما عن يونس بالإسناد المذكور " أن عائشة كانت تدعو على من يقول : إن أبا بكر قال القصيدة المذكورة " فذكر الحديث والشعر مطولا ، وعند الترمذي الحكيم من طريق الزبيدي عن الزهري مثله وزاد " قالت عائشة : فنحلها الناس أبا بكر الصديق من أجل امرأته أم بكر التي طلق ، وإنما قائلها أبو بكر بن شعوب " . قلت : وابن شعوب المذكور هو الذي يقول فيه أبو سفيان :


                                                                                                                                                                                                        ولو شئت نجتني كميت طمرة ولم أحمل النعماء لابن شعوب



                                                                                                                                                                                                        وكان حنظلة بن أبي عامر حمل يوم أحد على أبي سفيان فكاد أن يقتله ، فحمل ابن شعوب على حنظلة من [ ص: 305 ] ورائه فقتله ، فنجا أبو سفيان ، فقال في ذلك أبياتا منها هذا البيت .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية