الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        3759 حدثني عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه قال ذكر عند عائشة رضي الله عنها أن ابن عمر رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم إن الميت يعذب في قبره ببكاء أهله فقالت وهل إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه ليعذب بخطيئته وذنبه وإن أهله ليبكون عليه الآن قالت وذاك مثل قوله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على القليب وفيه قتلى بدر من المشركين فقال لهم ما قال إنهم ليسمعون ما أقول إنما قال إنهم الآن ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق ثم قرأت إنك لا تسمع الموتى وما أنت بمسمع من في القبور يقول حين تبوءوا مقاعدهم من النار

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ذكر ) بضم أوله ، وعند الإسماعيلي " أن عائشة بلغها " ولم أقف على اسم المبلغ ، ولكن عنده من رواية أخرى ما يشعر بأن عروة هو الذي بلغها ذلك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وهل ) قيل بفتح الهاء ، والمشهور الكسر ، أي غلط وزنا ومعنى ، وبالفتح معناه فزع ونسي وجبن [ ص: 354 ] وقلق ، وقال الفارابي والأزهري وابن القطاع وابن فارس والقابسي وغيرهم : وهلت إليه بفتح الهاء أهل بالكسر وهلا بالسكون إذا ذهب وهمك إليه . زاد القالي والجوهري : وأنت تريد غيره ، وزاد ابن القطاع [1] .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إن الميت ليعذب في قبره ) الحديث تقدم شرحه في الجنائز ، وقوله : " ذلك مثل قوله " أي ابن عمر ، وقوله : " فقال لهم ما قال " ووقع عند الكشميهني " فقال لهم مثل ما قال " و " مثل " زائدة لا حاجة إليها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يقول حين تبوءوا مقاعدهم من النار ) القائل : " يقول " هو عروة ، يريد أن يبين مراد عائشة فأشار إلى أن إطلاق النفي في قوله : إنك لا تسمع الموتى مقيد باستقرارهم في النار ، وعلى هذا فلا معارضة بين إنكار عائشة وإثبات ابن عمر كما تقدم توضيحه في الجنائز ، لكن الرواية التي بعد هذه تدل على أن عائشة كانت تنكر ذلك مطلقا لقولها : إن الحديث إنما هو بلفظ " إنهم ليعلمون " وأن ابن عمر وهم في قوله " ليسمعون " قال البيهقي : العلم لا يمنع من السماع ، والجواب عن الآية أنه لا يسمعهم وهم موتى ولكن الله أحياهم حتى سمعوا كما قال قتادة .

                                                                                                                                                                                                        ولم ينفرد عمر ولا ابنه بحكاية ذلك بل وافقهما أبو طلحة كما تقدم ، وللطبراني من حديث ابن مسعود مثله بإسناد صحيح . ومن حديث عبد الله بن سيدان نحوه وفيه : قالوا : يا رسول الله ، وهل يسمعون ؟ قال : يسمعون كما تسمعون ، ولكن لا يجيبون وفي حديث ابن مسعود " ولكنهم اليوم لا يجيبون " ومن الغريب أن في المغازي لابن إسحاق رواية يونس بن بكير بإسناد جيد عن عائشة مثل حديث أبي طلحة وفيه : " ما أنتم بأسمع لما أقول منهم " وأخرجه أحمد بإسناد حسن ، فإن كان محفوظا فكأنها رجعت عن الإنكار لما ثبت عندها من رواية هؤلاء الصحابة لكونها لم تشهد القصة ، قال الإسماعيلي : كان عند عائشة من الفهم والذكاء وكثرة الرواية والغوص على غوامض العلم ما لا مزيد عليه ، لكن لا سبيل إلى رد رواية الثقة إلا بنص مثله يدل على نسخه أو تخصيصه أو استحالته ، فكيف والجمع بين الذي أنكرته وأثبته غيرها ممكن ؛ لأن قوله تعالى إنك لا تسمع الموتى لا ينافي قوله - صلى الله عليه وسلم - : " إنهم الآن يسمعون " ؛ لأن الإسماع هو إبلاغ الصوت من المسمع في أذن السامع ، فالله تعالى هو الذي أسمعهم بأن أبلغهم صوت نبيه - صلى الله عليه وسلم - بذلك . وأما جوابها بأنه إنما قال إنهم ليعلمون فإن كانت سمعت ذلك فلا ينافي رواية يسمعون بل يؤيدها . وقال السهيلي ما محصله : إن في نفس الخبر ما يدل على خرق العادة بذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، لقول الصحابة له : " أتخاطب أقواما قد جيفوا ؟ فأجابهم " قال : وإذا جاز أن يكونوا في تلك الحالة عالمين جاز أن يكونوا سامعين ، وذلك إما بآذان رءوسهم على قول الأكثر أو بآذان قلوبهم ، قال : وقد تمسك بهذا الحديث من يقول : إن السؤال يتوجه على الروح والبدن ، ورده من قال : إنما يتوجه على الروح فقط بأن الإسماع يحتمل أن يكون لأذن الرأس ولأذن القلب فلم يبق فيه حجة . قلت : إذا كان الذي وقع حينئذ من خوارق العادة للنبي - صلى الله عليه وسلم - حينئذ لم يحسن التمسك به في مسألة السؤال أصلا .

                                                                                                                                                                                                        وقد اختلف أهل التأويل في المراد بالموتى في قوله تعالى : إنك لا تسمع الموتى وكذلك المراد بمن في القبور ، فحملته عائشة على الحقيقة وجعلته أصلا احتاجت معه إلى تأويل قوله : " ما أنتم بأسمع لما أقول منهم " وهذا قول الأكثر ، وقيل : هو مجاز والمراد بالموتى وبمن في القبور الكفار ، شبهوا بالموتى وهم أحياء ، والمعنى من هم في حال الموتى أو في حال من سكن القبر ، وعلى هذا لا يبقى في الآية دليل على ما نفته عائشة رضي الله عنها ، والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية