الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        3864 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا همام عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة قال حدثني أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خاله أخ لأم سليم في سبعين راكبا وكان رئيس المشركين عامر بن الطفيل خير بين ثلاث خصال فقال يكون لك أهل السهل ولي أهل المدر أو أكون خليفتك أو أغزوك بأهل غطفان بألف وألف فطعن عامر في بيت أم فلان فقال غدة كغدة البكر في بيت امرأة من آل فلان ائتوني بفرسي فمات على ظهر فرسه فانطلقحرام أخو أم سليم وهو رجل أعرج ورجل من بني فلان قال كونا قريبا حتى آتيهم فإن آمنوني كنتم وإن قتلوني أتيتم أصحابكم فقال أتؤمنوني أبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يحدثهم وأومئوا إلى رجل فأتاه من خلفه فطعنه قال همام أحسبه حتى أنفذه بالرمح قال الله أكبر فزت ورب الكعبة فلحق الرجل فقتلوا كلهم غير الأعرج كان في رأس جبل فأنزل الله علينا ثم كان من المنسوخ إنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ثلاثين صباحا على رعل وذكوان وبني لحيان وعصية الذين عصوا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله في رواية إسحاق بن أبي طلحة ( عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث خاله أخا أم سليم في سبعين راكبا ) قد سماه في هذه الرواية حراما ، وكذا في رواية ثمامة عن أنس التي بعدها ، والضمير في خاله لأنس ، وقد قال في الرواية الأخرى الآتية عن ثمامة عن أنس : " لما طعن حرام بن ملحان وكان خاله " وعجب تجويز الكرماني أن الضمير للنبي - صلى الله عليه وسلم - قال : وحرام خاله من الرضاعة ويجوز أن يكون من جهة النسب ، كذا قاله .

                                                                                                                                                                                                        قوله في رواية إسحاق ( وكان رئيس المشركين عامر بن الطفيل ) أي ابن مالك بن جعفر بن كلاب وهو ابن أخي أبي براء عامر بن مالك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( خير ) بفتح أوله وحذف المفعول أي خير النبي - صلى الله عليه وسلم - وبينه البيهقي في " الدلائل " من رواية عثمان بن سعيد عن موسى بن إسماعيل شيخ البخاري فيه ولفظه " وكان أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له : أخيرك بين ثلاث خصال " فذكر الحديث . ووقع في بعض النسخ " خير " بضم أوله ، وخطأها ابن قرقول .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( بألف وألف ) في رواية عثمان بن سعيد بألف أشقر وألف شقراء .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( غدة كغدة البكر ) يجوز فيه الرفع بتقدير أصابتني غدة أو غدة بي ، ويجوز النصب على المصدر أي أغده غدة مثل بعيرة ، والغدة بضم المعجمة من أمراض الإبل وهو طاعونها .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 448 ] قوله : ( في بيت امرأة من آل بني فلان ) بينها الطبراني من حديث سهل بن سعد فقال : " امرأة من آل سلول " وبين قدوم عامر بن الطفيل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه قال فيه : " لأغزونك بألف أشقر وألف شقراء " وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسل أصحاب بئر معونة بعد أن رجع عامر ، وأنه غدر بهم وأخفر ذمة عمه أبي براء وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا عليه فقال : " اللهم اكفني عامرا " فجاء إلى بيت امرأة من بني سلول . قلت : سلول امرأة ، وهي بنت ذهل بن شيبان ، وزوجها مرة بن صعصعة أخو عامر بن صعصعة فنسب بنوه إليها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فانطلق حرام أخو أم سليم وهو رجل أعرج ) كذا هنا على أنها صفة حرام ، وليس كذلك بل الأعرج غيره ، وقد وقع في رواية عثمان بن سعيد " فانطلق حرام ورجلان معه أعرج من بني فلان " فالذي يظهر أن الواو في قوله " وهو " قدمت سهوا من الكاتب ، والصواب تأخيرها ، وصواب الكلام : فانطلق حرام هو ورجل أعرج ، فأما الأعرج فاسمه كعب بن زيد ، وهو من بني دينار بن النجار ، وأما الآخر فاسمه المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح الخزرجي سماهما ابن هشام في زيادات السيرة . ووقع في بعض النسخ " هو ورجل أعرج " وهو الصواب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فإن آمنوني كنتم ) وقع هنا بطريق الاكتفاء ، ووقع في رواية عثمان بن سعيد المذكور " فإن آمنوني كنتم كذا " ولعل لفظة كذا من الراوي كأنه كتبها على قوله كنتم أي كذا وقع بطريق الاكتفاء ، ولأبي نعيم في " المستخرج " من طريق عبيد الله بن زيد المقري عن همام " فإن آمنوني كنتم قريبا مني " فهذه رواية مفسرة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فجعل يحدثهم ) في رواية الطبري من طريق عكرمة عن عمار عن إسحاق بن أبي طلحة في هذه القصة " فخرج حرام فقال : يا أهل بئر معونة إني رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليكم ، فآمنوا بالله ورسوله ، فخرج رجل من كسر البيت برمح فضربه في جنبه حتى خرج من الشق الآخر " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فأومئوا إلى رجل فأتاه من خلفه فطعنه ) لم أعرف اسم الرجل الذي طعنه ، ووقع في السيرة لابن إسحاق ما ظاهره أنه عامر بن الطفيل ، فلما أتاه لم ينظر في كتابه حتى عدا عليه فقتله ، لكن وقع في الطبراني من طريق ثابت عن أنس أن قاتل حرام بن ملحان أسلم ، وعامر بن الطفيل مات كافرا كما تقدم في هذا الباب وأما ما أخرجه المستغفري في " الصحابة " من طريق القاسم عن أبي أمامة عن عامر بن الطفيل أنه قال : يا رسول الله زودني بكلمات ، قال : يا عامر أفش السلام وأطعم الطعام ، واستحي من الله ، وإذا أسأت فأحسن الحديث فهو أسلمي ، ووهم المستغفري في كونه ساق في ترجمته نسب عامر بن الطفيل العامري ، وقد روى البغوي في ترجمة أبي براء عامر بن مالك العامري عن طريق عبد الله بن بريدة الأسلمي قال : " حدثني عمي عامر بن الطفيل " فذكر حديثا فعرف أن الصحابي أسلمي ، ووافق اسمه واسم أبيه العامري فكان ذلك سبب الوهم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال : الله أكبر ، فزت ورب الكعبة ، فلحق الرجل فقتلوا كلهم ) أشكل ضبط قوله : " فلحق الرجل " في هذا السياق فقيل : يحتمل أن يكون المراد بالرجل الذي كان رفيق حرام ، وفيه حذف تقديره [ ص: 449 ] فلحق الرجل بالمسلمين . ويحتمل أن يكون المراد به قاتل حرام ، والتقدير فطعن حراما فقال : فزت ورب الكعبة فلحق الرجل المشرك الطاعن بقومه المشركين فاجتمعوا على المسلمين فقتلوا كلهم . يحتمل أن يكون " فلحق " بضم اللام والرجل هو حرام أي لحقه أجله ، أو الرجل رفيقه بمعنى أنهم لم يمكنوه أن يرجع إلى المسلمين بل لحقه المشركون فقتلوه وقتلوا أصحابه ، ويحتمل أن يضبط الرجل بسكون الجيم وهو صيغة جمع والمعنى أن الذي طعن حراما لحق بقومه وهم الرجال الذين استنصر بهم عامر بن الطفيل . والرجل بسكون الجيم هم المسلمون القراء فقتلوا كلهم ، وهذا أوجه التوجيهات إن ثبتت الرواية بسكون الجيم . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقتلوا كلهم غير الأعرج كان في رأس جبل ) في رواية حفص بن عمر عن همام في كتاب الجهاد " فقتلوهم إلا رجلا أعرج صعد الجبل " قال همام : " وآخر معه " وفي رواية الإسماعيلي من هذا الوجه " فقتلوا أصحابه غير الأعرج وكان في رأس الجبل " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ثم كان من المنسوخ ) أي المنسوخ تلاوته فلم يبق له حكم حرمة القرآن كتحريمه على الجنب وغير ذلك .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية