الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        3867 حدثنا عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت استأذن النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر في الخروج حين اشتد عليه الأذى فقال له أقم فقال يا رسول الله أتطمع أن يؤذن لك فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إني لأرجو ذلك قالت فانتظره أبو بكر فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ظهرا فناداه فقال أخرج من عندك فقال أبو بكر إنما هما ابنتاي فقال أشعرت أنه قد أذن لي في الخروج فقال يا رسول الله الصحبة فقال النبي صلى الله عليه وسلم الصحبة قال يا رسول الله عندي ناقتان قد كنت أعددتهما للخروج فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم إحداهما وهي الجدعاء فركبا فانطلقا حتى أتيا الغار وهو بثور فتواريا فيه فكان عامر بن فهيرة غلاما لعبد الله بن الطفيل بن سخبرة أخو عائشة لأمها وكانت لأبي بكر منحة فكان يروح بها ويغدو عليهم ويصبح فيدلج إليهما ثم يسرح فلا يفطن به أحد من الرعاء فلما خرج خرج معهما يعقبانه حتى قدما المدينة فقتل عامر بن فهيرة يوم بئر معونة وعن أبي أسامة قال قال هشام بن عروة فأخبرني أبي قال لما قتل الذين ببئر معونة وأسر عمرو بن أمية الضمري قال له عامر بن الطفيل من هذا فأشار إلى قتيل فقال له عمرو بن أمية هذا عامر بن فهيرة فقال لقد رأيته بعد ما قتل رفع إلى السماء حتى إني لأنظر إلى السماء بينه وبين الأرض ثم وضع فأتى النبي صلى الله عليه وسلم خبرهم فنعاهم فقال إن أصحابكم قد أصيبوا وإنهم قد سألوا ربهم فقالوا ربنا أخبر عنا إخواننا بما رضينا عنك ورضيت عنا فأخبرهم عنهم وأصيب يومئذ فيهم عروة بن أسماء بن الصلت فسمي عروة به ومنذر بن عمرو سمي به منذرا [ ص: 450 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 450 ] قوله : ( عن عائشة قالت : استأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر في الخروج ) يعني في الهجرة ، وقد تقدم شرح الحديث مستوفى بطوله في أبواب الهجرة ، وإنما ذكر منه هاهنا هذه القطعة من أجل ذكر عامر بن فهيرة لينبه أنه كان من السابقين .

                                                                                                                                                                                                        قوله فيه : ( فكان عامر بن فهيرة غلاما لعبد الله بن الطفيل بن سخبرة أخو عائشة ) في رواية الكشميهني " أخي عائشة " وهما جائزان الأولى على القطع والثانية على البدل ، وفي قوله : " عبد الله بن الطفيل " نظر وكأنه مقلوب والصواب كما قال الدمياطي الطفيل بن عبد الله بن سخبرة ، وهو أزدي من بني زهران ، وكان أبوه زوج أم رومان والدة عائشة ، فقدما في الجاهلية مكة فخالف أبا بكر ، ومات وخلف الطفيل ، فتزوج أبو بكر امرأته أم رومان فولدت له عبد الرحمن وعائشة ، فالطفيل أخوهما من أمهما ، واشترى أبو بكر عامر بن فهيرة من الطفيل .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وعن أبي أسامة ) هو معطوف على قوله : " حدثنا عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة " وإنما فصله ليبين الموصول من المرسل ، وكأن هشام بن عروة حدث به عن أبيه هكذا فذكر قصة الهجرة موصولة بذكر عائشة فيه ، وقصة بئر معونة مرسلة ليس فيه ذكر عائشة . ووجه تعلقه به من جهة ذكر عامر بن فهيرة ، فإنه ذكر في شأن الهجرة أنه كان معهم ، وفيه : " فلما خرجا - أي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر - خرج معهم " أي إلى المدينة ، وقوله يعقبانه بالقاف أي يركبانه عقبة ، وهو أن ينزل الراكب ويركب رفيقه ثم ينزل الآخر ويركب الماشي ، هذا الذي يقتضيه ظاهر اللفظ في العقبة ، ويحتمل أن يكون المراد أن هذا يركبه مرة وهذا يركبه أخرى ، ولو كان كذلك لكان التعبير بيردفانه أظهر .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 451 ] قوله : ( فقتل عامر بن فهيرة يوم بئر معونة ) هذا آخر الحديث الموصول ، ثم ساق هشام بن عروة عن أبيه صفة قتل عامر بن فهيرة مرسلة ، وقد وقع عند الإسماعيلي والبيهقي في " الدلائل " سياق هذه القصة في حديث الهجرة موصولا به مدرجا ، والصواب ما وقع في الصحيح .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لما قتل الذين ببئر معونة ) أي القراء الذين تقدم ذكرهم ( وأسر عمرو بن أمية الضمري ) قد ساق عروة ذلك في المغازي من رواية أبي الأسود عنه ، وفي روايته " وبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - المنذر بن عمرو الساعدي إلى بئر معونة وبعث معه المطلب السلمي ليدلهم على الطريق ، فقتل المنذر بن عمرو وأصحابه ، إلا عمرو بن أمية فإنهم أسروه واستحيوه " وفي رواية ابن إسحاق في المغازي أن عامر بن الطفيل اجتز ناصيته وأعتقه عن رقبة كانت على أمه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال له عامر بن الطفيل : من هذا ؟ فأشار إلى قتيل ) في رواية الواقدي بإسناده عن عروة " أن عامر بن الطفيل قال لعمرو بن أمية : هل تعرف أصحابك ؟ قال : نعم فطاف في القتلى فجعل يسأله عن أنسابهم " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( هذا عامر بن فهيرة ) وهو مولى أبي بكر المذكور في حديث الهجرة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لقد رأيته بعدما قتل ) في رواية عروة المذكورة " فأشار عامر بن الطفيل إلى رجل فقال : هذا طعنه برمحه ثم انتزع رمحه فذهب بالرجل علوا في السماء حتى ما أراه " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ثم وضع ) أي إلى الأرض . وذكر الواقدي في روايته أن الملائكة وارته ولم يره المشركون ، وهذا واقع عند ابن المبارك عن يونس عن الزهري ، وفي ذلك تعظيم لعامر بن فهيرة وترهيب للكفار وتخويف ، وفي رواية عروة المذكورة " وكان الذي قتله رجل من بني كلاب جبار بن سلمى ، ذكر أنه لما طعنه قال : فزت والله قال : فقلت في نفسي : ما قوله فزت ؟ فأتيت الضحاك بن سفيان فسألته فقال : بالجنة . قال : فأسلمت ، ودعاني إلى ذلك ما رأيت من عامر بن فهيرة " انتهى . وجبار بالجيم والموحدة مثقل معدود في الصحابة ، ووقع في ترجمة عامر بن فهيرة في " الاستيعاب " أن عامر بن الطفيل قتله ، وكأن نسبته له على سبيل التجوز لكونه كان رأس القوم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - خبرهم ) قد ظهر من حديث أنس أن الله أخبره بذلك على لسان جبريل ، وفي رواية عروة المذكورة فجاء خبرهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تلك الليلة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وأصيب فيهم يومئذ عروة بن أسماء بن الصلت ) أي ابن أبي حبيب بن حارثة السلمي حليف بني عمرو بن عوف .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فسمي عروة به ) قيل : المراد ابن الزبير ، كان الزبير سمى ابنه عروة لما ولد له باسم عروة بن أسماء المذكور ، وكان بين قتل عروة بن أسماء ومولد عروة بن الزبير بضعة عشر عاما ، وقد يستبعد هذا بطول المدة وبأنه لا قرابة بين الزبير وعروة بن أسماء .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ومنذر بن عمرو ) أي ابن أبي حبيش بن لوذان من بني ساعدة من الخزرج ، وكان عقبيا بدريا من أكابر [ ص: 452 ] الصحابة ( سمي به منذرا ) كذا ثبت بالنصب ، والأول سمي به منذر كما تقدم تقريره في الذي قبله ، أي أن الزبير سمى ابنه منذرا باسم المنذر بن عمرو هذا ، فيحتمل أن تكون الرواية بفتح السين على البناء للفاعل وهو محذوف والمراد به الزبير ، أو المراد به أبو أسيد لما في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي بابن لأبي أسيد فقال : ما اسمه ؟ قالوا : فلان ، قال : بل هو المنذر . قال النووي في شرح مسلم : قالوا : إنه سماه المنذر تفاؤلا باسم عم أبيه المنذر بن عمرو ، وكان استشهد ببئر معونة ، فتفاءل به ليكون خلفا منه ، وهذا مما يؤيد البحث الذي ذكرته في عروة . ويحتمل أن يوجه النصب على مذهب الكوفيين في إقامة الجار والمجرور في قوله : " به " مقام الفاعل كما قرئليجزي قوما بما كانوا يكسبون ومن المناسبة هنا أن عروة بن الزبير هو عروة ابن أسماء بنت أبي بكر ، وكأنه لما كان عروة ابن أسماء ناسب أن يسمى باسم عروة بن أسماء ، ولما سمى الزبير ابنه باسم أحد الرجلين المشهورين ناسب أن يسمي الآخر باسم الثاني .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية