الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        3964 حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم الصبح قريبا من خيبر بغلس ثم قال الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين فخرجوا يسعون في السكك فقتل النبي صلى الله عليه وسلم المقاتلة وسبى الذرية وكان في السبي صفية فصارت إلى دحية الكلبي ثم صارت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل عتقها صداقها فقال عبد العزيز بن صهيب لثابت يا أبا محمد آنت قلت لأنس ما أصدقها فحرك ثابت رأسه تصديقا له

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أنس ) تقدم في صلاة الخوف مع ثابت عبد العزيز بن صهيب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فخرجوا يسعون في السكك ، فقتل النبي - صلى الله عليه وسلم - المقاتلة وسبى الذرية ) فيه اختصار كبير ؛ لأنه يوهم أن ذلك وقع عقب الإغارة عليهم ، وليس كذلك فقد ذكر ابن إسحاق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام على محاصرتهم بضع عشرة ليلة ، وقيل أكثر من ذلك . ويؤيده قوله في الحديث الذي قبله : " إنهم أصابتهم مخمصة شديدة " فإنه دال على طول مدة الحصار ، إذ لو وقع الفتح من يومهم لم يقع لهم ذلك . وفي حديث سلمة بن الأكوع وسهل بن سعد الآتيين قريبا في قصة علي ما يؤكد ذلك ، وكذا في حديث سهل وأبي هريرة في قصة الذي قتل نفسه ، وكذا في حديث عبد الله بن أبي أوفى أنهم حاصروهم .

                                                                                                                                                                                                        الحديث الرابع حديث أنس أيضا في ذكر صفية ، ذكره من طريقين ، وسيأتي في الباب من وجه ثالث بأتم من هذا سياقا . وصفية هي بنت حيي بن أخطب بن سعية - بفتح المهملة وسكون العين المهملة بعدها تحتانية ساكنة - ابن عامر بن عبيد بن كعب ، من ذرية هارون بن عمران أخي موسى عليهما السلام ، وأمها برة بنت شموال من بني قريظة ، وكانت تحت سلام بن مشكم القرظي ثم فارقها فتزوجها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق النضيري فقتل عنها يوم خيبر ، ذكر ذلك ابن سعد وأسند بعضه من وجه مرسل .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 537 ] قوله : ( وكان في السبي صفية بنت حيي فصارت إلى دحية ، ثم صارت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ) في رواية عبد العزيز عن أنس فجاء دحية فقال : أعطني يا رسول الله جارية من السبي . قال : اذهب فخذ جارية . فأخذ صفية ، فجاء رجل فقال : يا نبي الله أعطيت دحية صفية سيدة قريظة والنضير ؟ لا تصلح إلا لك ، قال : ادعوه بها ، فجاء بها ، فلما نظر إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : خذ جارية من السبي غيرها ، وعند ابن إسحاق أن صفية سبيت من حصن القموص وهو حصن بني أبي الحقيق ، وكانت تحت كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق وسبي معها بنت عمها - وعند غيره بنت عم زوجها - فلما استرجع النبي - صلى الله عليه وسلم - صفية من دحية أعطاه بنت عمها . قال السهيلي : لا معارضة بين هذه الأخبار فإنه أخذها من دحية قبل القسم ، والذي عوضه عنها ليس على سبيل البيع بل على سبيل النفل .

                                                                                                                                                                                                        قلت : وقع في رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عند مسلم أن صفية وقعت في سهم دحية ، وعنده أيضا فيه " فاشتراها من دحية بسبعة أرؤس " فالأولى في طريق الجمع أن المراد بسهمه هنا نصيبه الذي اختاره لنفسه ، وذلك أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعطيه جارية فأذن له أن يأخذ جارية ، فأخذ صفية . فلما قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إنها بنت ملك من ملوكهم ظهر له أنها ليست ممن توهب لدحية لكثرة من كان في الصحابة مثل دحية وفوقه ، وقلة من كان في السبي مثل صفية في نفاستها ، فلو خصه بها لأمكن تغير خاطر بعضهم ، فكان من المصلحة العامة ارتجاعها منه واختصاص النبي - صلى الله عليه وسلم - بها ، فإن في ذلك رضا الجميع ، وليس ذلك من الرجوع في الهبة من شيء . وأما إطلاق الشراء على العوض فعلى سبيل المجاز ، ولعله عوضه عنها بنت عمها أو بنت عم زوجها فلم تطب نفسه فأعطاه من جملة السبي زيادة على ذلك .

                                                                                                                                                                                                        وعند ابن سعد من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس وأصله في مسلم صارت صفية لدحية ، فجعلوا يمدحونها ، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعطى بها دحية ما رضي وقد تقدم شيء من هذا في أوائل الصلاة ، ويأتي تمام قصتها في الحديث الثاني عشر ، ويأتي الكلام على قوله في الحديث " وجعل عتقها صداقها " في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                        الحديث الخامس حديث أبي موسى الأشعري .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية