الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        3996 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال سمعت الزهري وسأله إسماعيل بن أمية قال أخبرني عنبسة بن سعيد أن أبا هريرة رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله قال له بعض بني سعيد بن العاص لا تعطه فقال أبو هريرة هذا قاتل ابن قوقل فقال وا عجباه لوبر تدلى من قدوم الضأن ويذكر عن الزبيدي عن الزهري قال أخبرني عنبسة بن سعيد أنه سمع أبا هريرة يخبر سعيد بن العاص قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبان على سرية من المدينة قبل نجد قال أبو هريرة فقدم أبان وأصحابه على النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر بعد ما افتتحها وإن حزم خيلهم لليف قال أبو هريرة قلت يا رسول الله لا تقسم لهم قال أبان وأنت بهذا يا وبر تحدر من رأس ضأن فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أبان اجلس فلم يقسم لهم [ ص: 562 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 562 ] قوله : ( سمعت الزهري وسأله إسماعيل بن أمية ) أي ابن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي ، والجملة حالية .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال : أخبرني ) قائل ذلك هو الزهري ، وعنبسة بن سعيد أي ابن العاص وهو عم والد إسماعيل بن أمية .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أن أبا هريرة أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله ) هذا السياق صورته مرسل ، وقد تقدم من وجه آخر مصرحا فيه بالاتصال في أوائل الجهاد ، وفيه بيان اسم المبهم هنا في قوله : " قال بعض بني سعيد " وبيان المراد بقوله : ابن قوقل وشرح ما فيه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فسأله ) أي سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعطيه من غنائم خيبر ، وفي رواية الحميدي عن سفيان في الجهاد " فقلت : يا رسول الله أسهم لي " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال له بعض بني سعيد بن العاص : لا تعطه ) القائل هو أبان بن سعيد كما في الرواية التي بعده .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( واعجباه ) في رواية السعيدي التي بعد هذه واعجبا لك " وهو بالتنوين اسم فعل بمعنى أعجب و " وا " مثل واها ، واعجبا للتوكيد وبغير التنوين بمعنى واعجبى فأبدلت الكسرة فتحة كقوله : يا أسفى ، وفيه شاهد على استعمال " وا " في منادى غير مندوب كما هو رأي المبرد واختيار ابن مالك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لوبر تدلى من قدوم الضأن ) كذا اختصره ، وقد مضى في الجهاد من رواية الحميدي عن سفيان أتم منه ، وسيأتي شرحه في الذي بعده .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ويذكر عن الزبيدي ) أي محمد بن الوليد ، وطريقه هذه وصلها أبو داود من طريق إسماعيل بن عياش عنه ، ووصلها أيضا أبو نعيم في " المستخرج " من طريق إسماعيل أيضا ، ومن طريق عبد الله بن سالم كلاهما عن الحميدي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يخبر سعيد بن العاص ) أي ابن أمية ، وكان سعيد بن العاص تأمر على المدينة من قبل معاوية في ذلك الزمان .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبان على سرية من المدينة قبل نجد ) لم أعرف حال هذه السرية ، وأما أبان فهو ابن سعيد بن العاص بن أمية ، وهو عم سعيد بن العاص الذي حدثه أبو هريرة ، وكان إسلام أبان بعد غزوة الحديبية ، وقد ذكرنا أولا في قصة الحديبية في الشروط وغيرها أن أبان هذا أجار عثمان بن عفان في الحديبية حتى دخل مكة وبلغ رسالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وتقدم في هذه الغزوة أن غزوة خيبر كانت عقب الرجوع من الحديبية ، فيشعر ذلك بأن أبان أسلم عقب الحديبية حتى أمكن أن يبعثه النبي في سرية ، وقد ذكر الهيثم بن علي في الأخبار سبب إسلام أبان ، فروى من طريق سعيد بن العاص قال : " قتل أبي يوم بدر ، فرباني عمي أبان ، وكان شديدا على النبي - صلى الله عليه وسلم - يسبه إذا ذكر ، فخرج إلى الشام فرجع فلم يسبه ، فسئل عن ذلك ، فذكر أنه لقي راهبا فأخبره بصفته ونعته ، فوقع في قلبه [ ص: 563 ] تصديقه ، فلم يلبث أن خرج إلى المدينة فأسلم " فإن كان هذا ثابتا احتمل أن يكون خروج أبان إلى الشام كان قبل الحديبية .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وإن حزم ) بمهملة وزاي مضمومتين .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لليف ) بلام التأكيد ، والليف معروف ، وفي رواية الكشميهني الليف على أنه خبر إن بغير تأكيد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وأنت بهذا ) أي : وأنت تقول بهذا ، أو : وأنت بهذا المكان والمنزلة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع كونك لست من أهله ولا من قومه ولا من بلاده .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يا وبر ) بفتح الواو وسكون الموحدة دابة صغيرة كالسنور وحشية ، ونقل أبو علي القالي عن أبي حاتم أن بعض العرب يسمي كل دابة من حشرات الجبال وبرا ، قال الخطابي : أراد أبان تحقير أبي هريرة ، وأنه ليس في قدر من يشير بعطاء ولا منع ، وأنه قليل القدرة على القتال انتهى . ونقل ابن التين عن أبي الحسن القابسي أنه قال : معناه أنه ملصق في قريش ؛ لأنه شبهه بالذي يعلق بوبر الشاة من الشوك وغيره . وتعقبه ابن التين بأنه يلزم من ذلك أن تكون الرواية " وبر " بالتحريك . قال : ولم يضبط إلا بالسكون .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( تحدر ) في الرواية الأولى " تدلى " وهي بمعناها ، وفي الرواية التي بعدها ، " تدأدأ " بمهملتين بينهما همزة ساكنة ، قيل : أصله تدهدأ فأبدلت الهاء همزة ، وقيل : الدأدأة صوت الحجارة في المسيل ، ووقع في رواية المستملي " تدأرأ " براء بدل الدال الثانية ، وفي رواية أبي زيد المروزي " تردى " وهي بمعنى تحدر وتدلى ، كأنه يقول : تهجم علينا بغتة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( من رأس ضال ) كذا في هذه الرواية باللام ، وفي التي قبلها بالنون ، وقد فسر البخاري في رواية المستملي الضال باللام فقال : هو السدر البري ، وكذا قال أهل اللغة إنه السدر البري ، ووقع في نسخة الصغاني " الضال سدرة البر " وتقدم كلام ابن دقيق العيد في ذلك في أوائل الجهاد وأنه السدر البري ، وأما قدوم فبفتح القاف للأكثر أي طرف ، ووقع في رواية الأصيلي بضم القاف ، وأما الضان فقيل : هو رأس الجبل لأنه في الغالب موضع مرعى الغنم ، وقيل : هو بغير همز ، وهو جبل لدوس قوم أبي هريرة .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية