الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        4174 حدثنا محمد حدثنا عفان عن صخر بن جويرية عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة دخل عبد الرحمن بن أبي بكر على النبي صلى الله عليه وسلم وأنا مسندته إلى صدري ومع عبد الرحمن سواك رطب يستن به فأبده رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره فأخذت السواك فقصمته ونفضته وطيبته ثم دفعته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستن به فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استن استنانا قط أحسن منه فما عدا أن فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يده أو إصبعه ثم قال في الرفيق الأعلى ثلاثا ثم قضى وكانت تقول مات بين حاقنتي وذاقنتي

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثني محمد ) جزم الحاكم بأنه محمد بن يحيى الذهلي ، وسقط عند ابن السكن فصار من رواية البخاري عن عفان بلا واسطة ، وعفان من شيوخ البخاري قد أخرج عنه بلا واسطة قليلا من ذلك في كتاب الجنائز .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ومع عبد الرحمن سواك رطب ) في رواية ابن أبي مليكة عن عائشة " ومر عبد الرحمن وفي يده جريدة رطبة ، فنظر إليه ، فظننت أن له بها حاجة ، فأخذتها فمضغت رأسها ونفضتها فدفعتها إليه " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يستن به ) أي يستاك ، قال الخطابي : أصله من السن أي بالفتح ، ومنه المسن الذي يسن عليه الحديد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فأبده ) بتشديد الدال أي مد نظره إليه ، يقال : أبددت فلانا النظر إذا طولته إليه ، وفي رواية الكشميهني " فأمده " بالميم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقضمته ) بفتح القاف وكسر الضاد المعجمة أي مضغته ، والقضم الأخذ بطرف الأسنان ، يقال : قضمت الدابة بكسر الضاد شعيرها تقضم بالفتح إذا مضغته وحكى عياض أن الأكثر رووه بالصاد المهملة أي كسرته أو قطعته ، وحكى ابن التين رواية بالفاء والمهملة ، قال المحب الطبري : إن كان بالضاد المعجمة فيكون قولها : " فطيبته " تكرارا وإن كان بالمهملة فلا لأنه يصير المعنى كسرته لطوله ، أو لإزالة المكان الذي تسوك به عبد الرحمن .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ثم لينته ثم طيبته ) أي بالماء ويحتمل أن يكون : طيبته تأكيدا للينته ، وسيأتي من رواية ذكوان عن عائشة " فقلت آخذه لك ؟ فأومأ برأسه أن نعم ، فتناولته فأدخلته في فيه فاشتد ، فتناولته فقلت : ألينه لك ؟ فأومأ برأسه أن نعم " ويؤخذ منه العمل بالإشارة عند الحاجة إليها ، وقوة فطنة عائشة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ونفضته ) بالفاء والضاد المعجمة ، وقوله : ( فما عدا أن فرغ ) أي من السواك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وكانت تقول : مات ورأسه بين حاقنتي وذاقنتي ) وفي رواية ذكوان عن عائشة " توفي في [ ص: 746 ] بيتي ، وفي يومي ، وبين سحري ونحري ، وإن الله جمع ريقي وريقه عند موته في آخر يوم من الدنيا " والحاقنة بالمهملة والقاف : ما سفل من الذقن ، والذاقنة ما علا منه . أو الحاقنة : نقرة الترقوة ، هما حاقنتان . ويقال : إن الحاقنة المطمئن من الترقوة والحلق . وقيل ما دون الترقوة من الصدر ، وقيل : هي تحت السرة . وقال ثابت : الذاقنة طرف الحلقوم : والسحر بفتح المهملة وسكون الحاء المهملة هو الصدر ، وهو في الأصل الرئة . والنحر بفتح النون وسكون المهملة والمراد به موضع النحر . وأغرب الداودي فقال : هو ما بين الثديين . والحاصل أن ما بين الحاقنة والذاقنة هو ما بين السحر والنحر ، والمراد أنه مات ورأسه بين حنكها وصدرها - صلى الله عليه وسلم - ورضي عنها .

                                                                                                                                                                                                        وهذا لا يغاير حديثها الذي قبل هذا أن رأسه كان على فخذها ؛ لأنه محمول على أنها رفعته من فخذها إلى صدرها . وهذا الحديث يعارض ما أخرجه الحاكم وابن سعد من طرق " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مات ورأسه في حجر علي " وكل طريق منها لا يخلو من شيعي ، فلا يلتفت إليهم . وقد رأيت بيان حال الأحاديث التي أشرت إليها دفعا لتوهم التعصب . قال ابن سعد : ذكر من قال : توفي في حجر علي " وساق من حديث جابر : سأل كعب الأحبار عليا ما كان آخر ما تكلم به - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال : أسندته إلى صدري ، فوضع رأسه على منكبي فقال : الصلاة الصلاة . فقال كعب : كذلك آخر عهد الأنبياء . وفي سنده الواقدي وحرم بن عثمان وهما متروكان . وعن الواقدي عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه : ادعوا إلي أخي ، فدعي له علي فقال : ادن مني . قال : فلم يزل مستندا إلي وإنه ليكلمني حتى نزل به ، وثقل في حجري فصحت : يا عباس أدركني إني هالك ، فجاء العباس ، فكان جهدهما جميعا أن أضجعاه . فيه انقطاع مع الواقدي ، وعبد الله فيه لين .

                                                                                                                                                                                                        وبه عن أبيه عن علي بن الحسين : قبض ورأسه في حجر علي فيه انقطاع . وعن الواقدي عن أبي الحويرث عن أبيه عن الشعبي : مات ورأسه في حجر علي . فيه الواقدي والانقطاع ، وأبو الحويرث اسمه عبد الرحمن بن معاوية بن الحارث المدني قال مالك : ليس بثقة ، وأبوه لا يعرف حاله . وعن الواقدي عن سليمان بن داود بن الحصين عن أبيه عن أبي غطفان : سألت ابن عباس قال : توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو إلى صدر علي ، قال : فقلت : فإن عروة حدثني عن عائشة قالت : توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - بين سحري ونحري ، فقال ابن عباس : لقد توفي وإنه لمستند إلى صدر علي ، وهو الذي غسله وأخي الفضل ، وأبى أبي أن يحضر . فيه الواقدي ، وسليمان لا يعرف حاله ، وأبو غطفان بفتح المعجمة ثم المهملة اسمه سعد وهو مشهور بكنيته ، وثقه النسائي . وأخرج الحاكم في " الإكليل " من طريق حبة العرني عن علي : أسندته إلى صدري فسالت نفسه . وحبة ضعيف . ومن حديث أم سلمة قالت : علي آخرهم عهدا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - والحديث عن عائشة أثبت من هذا ، ولعلها أرادت آخر الرجال به عهدا . ويمكن الجمع بأن يكون علي آخرهم عهدا به وأنه لم يفارقه حتى مال فلما مال ظن أنه مات ثم أفاق بعد أن توجه فأسندته عائشة بعده إلى صدرها فقبض . ووقع عند أحمد من طريق يزيد بن بابنوس بموحدتين بينهما ألف غير مهموز وبعد الثانية المفتوحة نون مضمومة ثم واو ساكنة ثم سين مهملة في أثناء حديث " فبينما رأسه ذات يوم على منكبي إذ مال رأسه نحو رأسي فظننت أنه يريد من رأسي حاجة فخرجت من فيه نقطة باردة فوقعت على ثغرة نحري فاقشعر لها جلدي ، وظننت أنه غشي عليه فسجيته ثوبا " .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية