الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        4516 حدثنا إسحاق بن منصور أخبرنا عبد الله بن بكر السهمي حدثنا حميد عن أنس رضي الله عنه قال أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بنى بزينب بنت جحش فأشبع الناس خبزا ولحما ثم خرج إلى حجر أمهات المؤمنين كما كان يصنع صبيحة بنائه فيسلم عليهن ويسلمن عليه ويدعو لهن ويدعون له فلما رجع إلى بيته رأى رجلين جرى بهما الحديث فلما رآهما رجع عن بيته فلما رأى الرجلان نبي الله صلى الله عليه وسلم رجع عن بيته وثبا مسرعين فما أدري أنا أخبرته بخروجهما أم أخبر فرجع حتى دخل البيت وأرخى الستر بيني وبينه وأنزلت آية الحجاب وقال ابن أبي مريم أخبرنا يحيى حدثني حميد سمع أنسا عن النبي صلى الله عليه وسلم

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال : ابن أبي مريم : أنبأنا يحيى حدثني حميد سمعت أنسا ) مراده بذلك أن عنعنة حميد في هذا الحديث غير مؤثرة لأنه ورد عنه التصريح بالسماع لهذا الحديث ومنه ، ويحيى المذكور هو ابن أيوب الغافقي المصري ، وابن أبي مريم من شيوخ البخاري واسمه سعيد بن الحكم ، ووقع في بعض النسخ من رواية أبي ذر " وقال : إبراهيم بن أبي مريم " وهو تغيير فاحش ، وإنما هو سعيد . الحديث الثالث حديث عائشة " خرجت سودة - أي بنت زمعة أم المؤمنين - بعدما ضرب الحجاب لحاجتها " وقد تقدم في كتاب الطهارة من طريق هشام بن عروة عن أبيه ما يخالف ظاهره رواية الزهري هذه عن عروة ، قال : الكرماني : فإن قلت : وقع هنا أنه كان بعدما ضرب الحجاب ، وتقدم في الوضوء أنه كان قبل الحجاب ، فالجواب : لعله وقع مرتين . قلت : بل المراد بالحجاب الأول غير الحجاب الثاني . والحاصل أن عمر - رضي الله عنه - وقع في قلبه نفرة من اطلاع الأجانب على الحريم النبوي ، حتى صرح بقوله له - عليه الصلاة والسلام - : " احجب نساءك " وأكد ذلك إلى أن نزلت آية الحجاب ، ثم قصد بعد ذلك أن لا يبدين أشخاصهن أصلا ولو كن مستترات ، فبالغ في ذلك ، فمنع منه ، وأذن لهن في الخروج لحاجتهن دفعا للمشقة ورفعا للحرج . وقد اعترض بعض الشراح بأن إيراد الحديث المذكور في الباب ليس مطابقا ، بل إيراده في عدم الحجاب أولى . وأجيب بأنه أحال على أصل الحديث كعادته ، وكأنه أشار إلى أن الجمع بين الحديثين ممكن ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        وقد وقع في رواية مجاهد عن عائشة لنزول آية الحجاب سبب آخر أخرجه النسائي بلفظ : " كنت آكل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حيسا في قعب ، فمر عمر فدعاه فأكل ، فأصاب إصبعه إصبعي فقال : حس - أو أوه - لو أطاع فيكن ما رأتكن عين . فنزل الحجاب " ويمكن الجمع بأن ذلك وقع قبل قصة زينب ، فلقربه منها أطلقت نزول الحجاب بهذا السبب ، ولا مانع من تعدد الأسباب . وقد أخرج ابن مردويه من حديث ابن عباس قال : دخل رجل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأطال الجلوس ، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات ليخرج فلم يفعل ، فدخل عمر فرأى الكراهية في وجهه فقال : للرجل : لعلك آذيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : النبي - صلى الله عليه وسلم - لقد قمت ثلاثا لكي يتبعني فلم يفعل ، فقال : [ ص: 392 ] له عمر : يا رسول الله لو اتخذت حجابا ، فإن نساءك لسن كسائر النساء ، وذلك أطهر لقلوبهن ، فنزلت آية الحجاب .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية