الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب الاغتسال إذا أسلم وربط الأسير أيضا في المسجد وكان شريح يأمر الغريم أن يحبس إلى سارية المسجد

                                                                                                                                                                                                        450 حدثنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا الليث قال حدثنا سعيد بن أبي سعيد سمع أبا هريرة قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال أطلقوا ثمامة فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله [ ص: 662 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 662 ] قوله : ( باب الاغتسال إذا أسلم وربط الأسير أيضا في المسجد ) هكذا في أكثر الروايات ، وسقط للأصيلي وكريمة قوله " وربط الأسير إلخ " ، وعند بعضهم " باب " بلا ترجمة ، وكأنه فصل من الباب الذي قبله ، ويحتمل أن يكون بيض للترجمة فسد بعضهم البياض بما ظهر له ويدل عليه أن الإسماعيلي ترجم عليه " باب دخول المشرك المسجد " وأيضا فالبخاري لم تجر عادته بإعادة لفظ الترجمة عقب الأخرى ، والاغتسال إذا أسلم لا تعلق له بأحكام المساجد إلا على بعد ، وهو أن يقال : الكافر جنب غالبا والجنب ممنوع من المسجد إلا لضرورة ، فلما أسلم لم تبق ضرورة للبثه في المسجد جنبا فاغتسل لتسوغ له الإقامة في المسجد .

                                                                                                                                                                                                        وادعى ابن المنير أن ترجمة هذا الباب ذكر البيع والشراء في المسجد . قال : ومطابقتها لقصة ثمامة أن من تخيل منع ذلك أخذه من عموم قوله " إنما بنيت المساجد لذكر الله " فأراد البخاري أن هذا العموم مخصوص بأشياء غير ذلك منها ربط الأسير في المسجد ، فإذا جاز ذلك للمصلحة فكذلك يجوز البيع والشراء للمصلحة في المسجد .

                                                                                                                                                                                                        قلت : ولا يخفى ما فيه من التكلف ، وليس ما ذكره من الترجمة مع ذلك في شيء من نسخ البخاري هنا ، وإنما تقدمت قبل خمسة أبواب لحديث عائشة في قصة بريرة ، ثم قال : فإن قيل إيراد قصة ثمامة في الترجمة التي قبل هذه وهي " باب الأسير يربط في المسجد " أليق فالجواب أنه يحتمل أن البخاري آثر الاستدلال بقصة العفريت على قصة ثمامة ; لأن الذي هم بربط العفريت هو النبي - صلى الله عليه وسلم - والذي تولى ربط ثمامة غيره ، وحيث رآه مربوطا قال " أطلقوا ثمامة " قال فهو بأن يكون إنكارا لربطه أولى من أن يكون تقريرا . انتهى . وكأنه لم ينظر سياق هذا الحديث تاما لا في البخاري ولا في غيره ، فقد أخرجه البخاري في أواخر المغازي من هذا الوجه بعينه مطولا وفيه أنه - صلى الله عليه وسلم - مر على ثمامة ثلاث مرات وهو مربوط في المسجد ، وإنما أمر بإطلاقه في اليوم الثالث ، وكذا أخرجه مسلم غيره وصرح ابن إسحاق في المغازي من هذا الوجه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي أمرهم بربطه ، فبطل ما تخيله ابن المنير ، وإني لأتعجب منه كيف جوز أن الصحابة يفعلون في المسجد أمرا لا يرضاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فهو كلام فاسد ، مبني على فاسد ، فالحمد لله على التوفيق .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وكان شريح يأمر الغريم أن يحبس ) قال ابن مالك : فيه وجهان ، أحدهما : أن يكون الأصل يأمر بالغريم ، وأن يحبس بدل اشتمال ، ثم حذفت الباء . ثانيهما : أن معنى قوله " أن يحبس " أي ينحبس ، فجعل المطاوع موضع المطاوع لاستلزامه إياه . انتهى . والتعليق المذكور في رواية الحموي دون رفقته ، وقد وصله معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال " كان شريح إذا قضى على رجل بحق أمر بحبسه في المسجد إلى أن يقوم بما عليه ، فإن أعطى الحق وإلا أمر به إلى السجن .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 663 ] قوله : ( خيلا ) أي فرسانا والأصل أنهم كانوا رجالا على خيل ، وثمامة بمثلثة مضمومة وأثال بضم الهمزة بعدها مثلثة خفيفة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إلى نخل ) في أكثر الروايات بالخاء المعجمة ، وفي النسخة المقروءة على أبي الوقت بالجيم وصوبها بعضهم ، وقال : والنجل الماء القليل النابع وقيل الجاري .

                                                                                                                                                                                                        قلت : ويؤيد الرواية الأولى أن لفظ ابن خزيمة في صحيحه في هذا الحديث " فانطلق إلى حائط أبي طلحة " سيأتي الكلام على بقية فوائد هذا الحديث حيث أورده المصنف تاما إن شاء الله تعالى .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية