الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        4715 حدثني محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال كنا بحمص فقرأ ابن مسعود سورة يوسف فقال رجل ما هكذا أنزلت قال قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحسنت ووجد منه ريح الخمر فقال أتجمع أن تكذب بكتاب الله وتشرب الخمر فضربه الحد

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        الحديث الثالث : قوله : ( كنا بحمص فقرأ ابن مسعود سورة يوسف ) هذا ظاهره أن علقمة حضر القصة ، وكذا أخرجه الإسماعيلي عن أبي خليفة عن محمد بن كثير شيخ البخاري فيه ، وأخرجه أبو نعيم من طريق يوسف القاضي عن محمد بن كثير فقال فيه : " عن علقمة قال : كان عبد الله بحمص " وقد أخرجه مسلم من طريق جرير عن الأعمش ولفظه " عن عبد الله بن مسعود قال : كنت بحمص ، فقرأت " فذكر الحديث ، وهذا يقتضي أن علقمة لم يحضر القصة وإنما نقلها عن ابن مسعود ، وكذا أخرجه أبو عوانة من طرق عن الأعمش ولفظه " كنت جالسا بحمص " وعند أحمد عن أبي معاوية عن الأعمش قال : " عن عبد الله أنه قرأ سورة يوسف " ورواية أبي معاوية عند مسلم لكن أحال بها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال رجل ما هكذا أنزلت ) لم أقف على اسمه ، وقد قيل : إنه نهيك بن سنان الذي تقدمت له مع ابن مسعود في القرآن قصة غير هذه ، لكن لم أر ذلك صريحا . وفي رواية مسلم " فقال لي بعض القوم : اقرأ علينا ، فقرأت عليهم سورة يوسف ، فقال رجل من القوم : ما هكذا أنزلت " فإن كان السائل هو القائل وإلا ففيه مبهم آخر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال : قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ) في رواية مسلم " فقلت ويحك ، والله لقد أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ووجد منه ريح الخمر ) هي جملة حالية ، ووقع في رواية مسلم " فبينما أنا أكلمه إذ وجدت منه ريح الخمر " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فضربه الحد ) في رواية مسلم " فقلت لا تبرح حتى أجلدك ، قال : فجلدته الحد " قال النووي : هذا محمول على أن ابن مسعود كانت له ولاية إقامة الحدود نيابة عن الإمام ، إما عموما وإما خصوصا ، وعلى أن الرجل [ ص: 667 ] اعترف بشربها بلا عذر ، وإلا فلا يجب الحد بمجرد ريحها . وعلى أن التكذيب كان بإنكار بعضه جاهلا ، إذ لو كذب به حقيقة لكفر ، فقد أجمعوا على أن من جحد حرفا مجمعا عليه من القرآن كفر اهـ ، والاحتمال الأول جيد ، ويحتمل أيضا أن يكون قوله " فضربه الحد " أي رفعه إلى الأمير فضربه فأسند الضرب إلى نفسه مجازا لكونه كان سببا فيه ، وقال القرطبي : إنما أقام عليه الحد لأنه جعل له ذلك من له الولاية ، أو لأنه رأى أنه قام عن الإمام بواجب ، أو لأنه كان ذلك في زمان ولايته الكوفة فإنه وليها في زمن عمر وصدرا من خلافة عثمان انتهى ، والاحتمال الثاني موجه ، وفي الأخير غفلة عما في أول الخبر أن ذلك كان بحمص ، ولم يلها ابن مسعود وإنما دخلها غازيا وكان ذلك في خلافة عمر . وأما الجواب الثاني عن الرائحة فيرده النقل عن ابن مسعود أنه كان يرى وجوب الحد بمجرد وجود الرائحة ، وقد وقع مثل ذلك لعثمان في قصة الوليد بن عقبة ، ووقع عند الإسماعيلي إثر هذا الحديث النقل عن علي أنه أنكر على ابن مسعود جلده الرجل بالرائحة وحدها إذا لم يقر ولم يشهد عليه ، وقال القرطبي : في الحديث حجة على من يمنع وجوب الحد بالرائحة كالحنفية وقد قال به مالك وأصحابه وجماعة من أهل الحجاز .

                                                                                                                                                                                                        قلت : والمسألة خلافية شهيرة ، وللمانع أن يقول : إذا احتمل أن يكون أقر سقط الاستدلال بذلك ، ولما حكى الموفق في " المغني " الخلاف في وجوب الحد بمجرد الرائحة اختار أن لا يحد بالرائحة وحدها بل لا بد معها من قرينة كأن يوجد سكران أو يتقيأها ، ونحوه أن يوجد جماعة شهروا بالفسق ويوجد معهم خمر ويوجد من أحدهم رائحة الخمر ، وحكى ابن المنذر عن بعض السلف أن الذي يجب عليه الحد بمجرد الرائحة من يكون مشهورا بإدمان شرب الخمر وقيل بنحو هذا التفصيل فيمن شك وهو في الصلاة هل خرج منه ريح أو لا فإن قارن ذلك وجود رائحة دل ذلك على وجود الحدث فيتوضأ ، وإن كان في الصلاة فلينصرف ، ويحمل ما ورد من ترك الوضوء مع الشك على ما إذا تجرد الظن عن القرينة ، وسيكون لنا عودة إلى هذه المسألة في كتاب الحدود إن شاء الله تعالى . وأما الجواب عن الثالث فجيد أيضا ، لكن يحتمل أن يكون ابن مسعود كان لا يرى بمؤاخذة السكران بما يصدر منه من الكلام في حال سكره ، وقال القرطبي : يحتمل أن يكون الرجل كذب ابن مسعود ولم يكذب بالقرآن ، وهو الذي يظهر من قوله " ما هكذا أنزلت " فإن ظاهره أنه أثبت إنزالها ونفى الكيفية التي أوردها ابن مسعود ، وقال الرجل ذلك إما جهلا منه أو قلة حفظ أو عدم تثبت بعثه عليه السكر ، وسيأتي مزيد بحث في ذلك في كتاب الطلاق إن شاء الله تعالى .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية