الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن

                                                                                                                                                                                                        5012 حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن زينب بنت أبي سلمة أخبرته عن أمها أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة من أسلم يقال لها سبيعة كانت تحت زوجها توفي عنها وهي حبلى فخطبها أبو السنابل بن بعكك فأبت أن تنكحه فقال والله ما يصلح أن تنكحيه حتى تعتدي آخر الأجلين فمكثت قريبا من عشر ليال ثم جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقال انكحي [ ص: 380 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 380 ] قوله ( باب واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم ) سقط لفظ " باب " لأبي ذر وكريمة وثبت للباقين ، ووقع عند ابن بطال " كتاب العدة - باب قول الله إلخ " والعدة اسم لمدة تتربص بها المرأة عن التزويج بعد وفاة زوجها أو فراقه لها إما بالولادة أو بالأقراء أو الأشهر .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( قال مجاهد : إن لم تعلموا يحضن أو لا يحضن ) . أي فسر قوله تعالى إن ارتبتم أي لم تعلموا .

                                                                                                                                                                                                        وقوله ( واللائي قعدن عن الحيض ) أي حكمهن حكم اللائي يئسن . وقوله فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن أي أن حكم اللائي لم يحضن أصلا ورأسا حكمهن في العدة حكم اللائي يئسن ، فكان تقدير الآية واللائي لم يحضن كذلك ، لأنها وقعت بعد قوله فعدتهن ثلاثة أشهر . وأثر مجاهد هذا وصله الفريابي ، تقدم بيانه في تفسير سورة الطلاق . وأخرج ابن أبي حاتم من طريق يونس عن الزهري قال : الارتياب والله أعلم في المرأة التي تشك في قعودها عن الولد وفي حيضها أتحيض أو لا ، وتشك في انقطاع حيضها بعد أن كانت تحيض وتشك في صغرها هـل بلغت المحيض أم لا ؟ وتشك في حملها أبلغت أن تحمل أو لا ؟ فما ارتبتم فيه من ذلك فالعدة فيه ثلاثة أشهر ، وهذا الذي جزم به الزهري مختلف فيه فمن انقطع حيضها بعد أن كانت تحيض ، فذهب أكثر فقهاء الأمصار إلى أنها تنتظر الحيض إلى أن تدخل في السن الذي لا يحيض فيه مثلها فتعتد حينئذ تسعة أشهر . وعن مالك والأوزاعي تربص تسعة أشهر ، فإن حاضت وإلا اعتدت ثلاثة . وعن الأوزاعي إن كانت شابة فسنة ، وحجة الشافعي والجمهور ظاهر القرآن ، فإنه صريح في الحكم للآيسة والصغيرة ، وأما التي تحيض ويتأخر حيضها فليست آيسة ، لكن لمالك في قوله سلف وهو عمر ، فقد صح عنه ذلك . وذهب الجمهور إلى أن المعنى في قوله إن ارتبتم أي في الحكم لا في اليأس .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( أن زينب بنت أبي سلمة أخبرته ) أي ابن عبد الأسد المخزومي ، وقد تقدم الحديث في تفسير الطلاق من رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عن كريب عن أم سلمة ، وذلك لما وقعت المراجعة بينه وبين ابن عباس في ذلك ، وتقدم بيان ذلك مشروحا هـناك . وقد رواه مالك عن عبد ربه بن سعيد عن أبي سلمة وفيه " فدخل أبو سلمة على أم سلمة " أورده المصنف هنا مختصرا ، وأورد القصة من وجهين آخرين باختصار أيضا . الطريق الأولى طريق الأعرج " أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن أن زينب بنت أبي سلمة أخبرته عن أمها أم سلمة " كذا رواه الأعرج عن أبي سلمة ، ورواه يحيى بن أبي كثير " عن أبي سلمة عن كريب عن أم سلمة " كما تقدم في تفسير سورة الطلاق ، وفيه قصة لأبي سلمة مع ابن عباس وأبي هريرة . وأخرجه مسلم من طريق سليمان بن يسار " أن ابن عباس وأبا سلمة اجتمعا عند أبي هريرة ، فبعثوا كريبا إلى أم سلمة يسألها عن ذلك " فذكرت القصة ، وهو شاهد لرواية الأعرج . وأخرجه مالك في " الموطأ " عن عبد ربه بن سعيد " عن أبي سلمة قال : دخلت على أم سلمة " ، وأخرجه النسائي من طريق داود بن أبي عاصم " أن أبا سلمة أخبره " فذكر قصته مع ابن عباس وأبي هريرة ، قال " فأخبرني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم " وأخرجه أحمد من طريق ابن إسحاق حدثني محمد بن إبراهيم التيمي " عن أبي سلمة قال : دخلت على سبيعة " وهذا الاختلاف على أبي سلمة لا يقدح في صحة الخبر ، فإن لأبي سلمة اعتناء بالقصة من حين تنازع هو وابن عباس فيها ، [ ص: 381 ] فكأنه لما بلغه الخبر من كريب عن أم سلمة لم يقتنع بذلك حتى دخل عليها ثم دخل على سبيعة صاحبة القصة نفسها ثم تحملها عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا الرجل يحتمل أن يكون هو المسور بن مخرمة كما يأتي في الطريق الثالثة ، ويحتمل أن يكون أبا هريرة فإن في آخر الحديث عند النسائي " فقال أبو هريرة أشهد على ذلك " فيحتمل أن يكون أبو سلمة أبهمه أولا لما قال " أخبرني رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم " . وأما ما أخرجه عبد بن حميد من رواية صالح بن أبي حسان عن أبي سلمة فذكر قصته مع ابن عباس وأبي هريرة قال " فأرسلوا إلى عائشة فذكرت حديث سبيعة فهو شاذ ، وصالح بن أبي حسان مختلف فيه ، ولعل هذا هـو سبب الوهم الذي حكاه الحميدي عن ابن مسعود وذكرته في تفسير الطلاق . ووقع في رواية أبان العطار عن يحيى بن أبي كثير في هذا الحديث " أن ابن عباس احتج بقوله تعالى والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وأن أبا سلمة قال له : يا ابن عباس أقال الله آخر الأجلين ؟ أرأيت لو مضت أربعة أشهر وعشر ولم تضع أتتزوج ؟ فقال لغلامه : اذهب إلى أم سلمة " . الطريقة الثانية .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية