الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        5013 حدثنا يحيى بن بكير عن الليث عن يزيد أن ابن شهاب كتب إليه أن عبيد الله بن عبد الله أخبره عن أبيه أنه كتب إلى ابن الأرقم أن يسأل سبيعة الأسلمية كيف أفتاها النبي صلى الله عليه وسلم فقالت أفتاني إذا وضعت أن أنكح

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله ( الليث عن يزيد ) قال الدمياطي في حواشيه : هو ابن عبد الله بن الهاد ، ووهم في ذلك وإنما هو ابن أبي حبيب ، كذا أخرجه أبو نعيم في " المستخرج " من طريق أحمد بن إبراهيم بن ملحان عن يحيى بن بكير شيخ البخاري فيه ، وكذا أخرجه الطبراني من طريق عبد الله بن صالح عن الليث .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( إن ابن شهاب كتب إليه ) هو حجة في جواز الرواية بالمكاتبة ، وقد سبق في غزوة بدر من المغازي معلقا عن الليث عن يونس عن ابن شهاب أتم سياقا مما هـنا ، ووصله مسلم من طريق ابن وهب عن يونس كذلك ، ووافقه الزبيدي عن ابن شهاب أخرجه ابن حبان ، وأخرجه الطبراني من طريق عقيل عن ابن شهاب فخالف في بعض رواته .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( عن أبيه ) هو عبد الله بن عتبة بن مسعود ، وقد سلف في تفسير الطلاق أن ابن سيرين حدث به عن عبد الله بن عتبة عن سبيعة ، فيحتمل أن يكون عبد الله بن عتبة لقى سبيعة بعد أن كان بلغه عنها ممن سيذكر من الوسائط . ويحتمل أن يكون أرسله عنها لابن سيرين ، وأخرجه أحمد من طريق قتادة " عن خلاس عن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن مسعود أن سبيعة بنت الحارث " الحديث .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( أنه كتب إلى ابن الأرقم ) جزم جمع من الشراح أنه عبد الله بن الأرقم الزهري الصحابي المشهور ، ووهموا في ذلك ، وإنما هـو ولده عمر بن عبد الله ، كذلك وقع واضحا مفسرا في رواية يونس ، وليس لعمر المذكور في الصحيحين سوى هذا الحديث الواحد . ووقع في رواية عقيل " عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أباه كتب إليه أن الق سبيعة فسلها كيف قضى لها ، قال فأخبرني زفر بن أوس بن الحدثان أن سبيعة أخبرته " والقائل " أخبرني زفر " هو عبيد الله بن عبد الله " بين ذلك النسائي في روايته من طريق أبي زيد بن أنيسة عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن شهاب ، ووضح بذلك أن لابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة فيه طريقين . الطريق الثالثة رواية هشام بن عروة عن أبيه " عن المسور بن مخرمة أن سبيعة الأسلمية نفست " وهذا يحتمل أن يكون المسور حمله أو أرسله عن سبيعة أو حضر القصة ، فإنه حفظ خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في شأن فاطمة الزهراء وكانت قبل قصة سبيعة ، فلعله حضر قصة سبيعة أيضا .

                                                                                                                                                                                                        قوله في الطريق الأولى ( أن امرأة من أسلم يقال لها سبيعة ) هي بمهملة وموحدة ثم مهملة تصغير سبع ، ووقع في المغازي " سبيعة بنت الحارث " وذكرها ابن سعد في المهاجرات ، ووقع في رواية لابن إسحاق عند أحمد [ ص: 382 ] " سبيعة بنت أبي برزة الأسلمي " فإن كان محفوظا فهو أبو برزة آخر غير الصحابي المشهور ، وهو إما كنية للحارث والد سبيعة أو نسبت في الرواية المذكورة إلى جد لها .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( كانت تحت زوجها ) تقدم في غزوة بدر أيضا تسميته " سعد بن خولة " وفيه أنه من بني عامر بن لؤي ، وثبت فيه أنه كان من حلفائهم .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( توفي عنها ) تقدم هناك أنه توفي في حجة الوداع ، ونقل ابن عبد البر الاتفاق على ذلك ، وفي ذلك نظر فقد ذكر : محمد بن سعد أنه مات قبل الفتح ، وذكر الطبري أنه مات سنة سبع ، وقد ذكرت شيئا من ذلك في كتاب الوصايا ، وتقدم في تفسير الطلاق أنه قتل ، ومعظم الروايات على أنه مات وهو المعتمد ، ووقع للكرماني : لعل سبيعة قالت قتل بناء على ظن منها في ذلك فتبين أنه لم يقتل ، وهذا الجمع يمجه السمع ، وإذا ظنت سبيعة أنه قتل ثم تبين لها أنه لم يقتل فكيف تجزم بعد دهر طويل بأنه قتل ؟ فالمعتمد أن الرواية التي فيها قتل إن كانت محفوظة ترجحت لأنها لا تنافي مات أو توفي ، وإن لم يكن في نفس الأمر قتل فهي رواية شاذة .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( فخطبها أبو السنابل ) بمهملة ونون ثم موحدة جمع سنبلة ، اختلف في اسمه فقيل عمرو قاله ابن البرقي عن ابن هشام عمن يثق به عن الزهري . وقيل عامر روي عن ابن إسحاق ، وقيل حبة بموحدة بعد المهملة ، وقيل بنون وقيل لبيدريه ، وقيل أصرم ، وقيل عبد الله ، ووقع في بعض الشروح وقيل بغيض . قلت : وهو غلط والسبب فيه أن بعض الأئمة سئل عن اسمه فقال : بغيض يسأل عن بغيض ، فظن الشارح أنه اسمه ، وليس كذلك لأن في بقية الخبر اسمه لبيدريه ، وجزم العسكري بأن اسمه كنيته ، وبعكك بموحدة ثم مهملة ثم كافين بوزن جعفر ابن الحارث بن عميلة بن السباق بن عبد الدار ، وكذا نسبه ابن إسحاق ، وقيل هو ابن بعكك بن الحجاج بن الحارث بن السباق نقل ذلك عن ابن الكلبي ابن عبد البر قال : وكان من المؤلفة وسكن الكوفة ، وكان شاعرا ، ونقل الترمذي عن البخاري أنه قال : لا يعلم أن أبا السنابل عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، كذا قال ، لكن جزم ابن سعد أنه بقي بعد النبي صلى الله عليه وسلم زمنا ، وقال ابن منده في " الصحابة " عداده في أهل الكوفة ، وكذا قال أبو نعيم أنه سكن الكوفة ، وفيه نظر لأن خليفة قال : أقام بمكة حتى مات ، وتبعه ابن عبد البر ، ويؤيد كونه عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم قول ابن البرقي : أن أبا السنابل تزوج سبيعة بعد ذلك ، وأولدها سنابل بن أبي السنابل ، ومقتضى ذلك أن يكون أبو السنابل عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه وقع في رواية عبد ربه بن سعيد عن أبي سلمة أنها تزوجت الشاب ، وكذا في رواية داود بن أبي عاصم أنها تزوجت فتى من قومها ، وتقدم أن قصتها كانت بعد حجة الوداع فيحتاج - إن كان الشاب دخل عليها ثم طلقها - إلى زمان عدة منه ثم إلى زمان الحمل حتى تضع وتلد سنابل حتى صار أبوه يكنى به أبا السنابل ، وقد أفاد محمد بن وضاح فيما حكاه ابن بشكوال وغيره عنه أن اسم الشاب - الذي خطب سبيعة هو وأبو السنابل فآثرته على أبي السنابل - أبو البشر بن الحارث ، وضبطه بكسر الموحدة وسكون المعجمة ، وقد أخرج الترمذي والنسائي قصة سبيعة من رواية الأسود عند أبي السنابل بسند على شرط الشيخين إلى الأسود وهو من كبار التابعين من أصحاب ابن مسعود ولم يوصف بالتدليس ، فالحديث صحيح على شرط مسلم ، لكن البخاري على قاعدته في اشتراط ثبوت اللقاء ولو مرة فلهذا قال ما نقله الترمذي .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( فأبت أن تنكحه ) وقع في رواية " الموطأ " فخطبها رجلان أحدهما شاب وكهل ، فحطت إلى [ ص: 383 ] الشاب ، فقال الكهل لم تحلي ، وكان أهلها غيبا فرجا أن يؤثروه بها .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( فقالت والله ما يصلح أن تنكحيه حتى تعتدي آخر الأجلين ، فمكثت قريبا من عشر ليال ثم جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقال انكحي ) قال عياض : هكذا وقع عند جميعهم " فقالت والله ما يصلح " إلا لابن السكن فعنده " فقال " مكان " فقالت " وهو الصواب . قلت : وكذا في الأصل الذي عندنا من رواية أبي ذر عن مشايخه ، بل قال ابن التين أنه عند جميعهم " فقال " إلا عند القابسي " فقالت " بزيادة التاء ، وهذا أقرب مما قال عياض . ثم قال عياض : والحديث مبتور نقص منه قولها " فنفست بعد ليال فخطبت إلخ " . قلت : قد ثبت المحذوف في رواية ابن ملحان التي أشرت إليها عن يحيى بن بكير شيخ البخاري فيه ولفظه " فمكثت قريبا من عشرين ليلة ثم نفست " وقد وقع للبخاري اختصار المتن في الطريق الثانية بأبلغ من هذا ، فإنه اقتصر منه على قوله " إنه كتب إلى ابن أرقم أن يسأل سبيعة الأسلمية كيف أفتاها النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فقالت : أفتاني إذا حللت أن أنكح " فأبهم اسم ابن أرقم ونسبه إلى جده كما نبهت عليه وطوى ذكر أكثر القصة وتقديره : فأتاها فسألها ، فأخبرته ، فكتب إليه الجواب : إني سألتها فذكرت القصة ، وفي آخرها " فقالت إلخ " . وقد وقع بيانه واضحا في تفسير الطلاق من رواية يونس عن الزهري وفيه " فكتب عمر بن عبد الله بن الأرقم إلى عبد الله بن عتبة يخبره أن سبيعة بنت الحارث أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل ، فلم تنشب أن وضعت حملها ، فلما تعلت من نفاسها تجملت للخطاب ، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك رجل من بني عبد الدار فقال : ما لي أراك تجملت للخطاب ترجين النكاح ؟ فإنك والله ما أنت بناكح حتى يمر عليك أربعة أشهر وعشر ، قالت سبيعة : فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حين أمسيت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك ، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي ، وأمرني بالتزويج إن بدا لي " . وقوله في هذه الطريق الثانية " فمكثت قريبا من عشر ليال ثم جاءت النبي صلى الله عليه وسلم " قد يخالف في الظاهر قوله في رواية الزهري المذكورة " فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حين أمسيت " فإنه ظاهر في أنها توجهت إلى النبي صلى الله عليه وسلم في مساء اليوم الذي قال لها فيه أبو السنابل ما قال ، ويمكن الجمع بينهما أن يحمل قولها حين أمسيت على إرادة وقت توجهها ، ولا يلزم منه أن يكون ذلك في اليوم الذي قال لها فيه ما قال .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية