الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        5014 حدثنا يحيى بن قزعة حدثنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن المسور بن مخرمة أن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنته أن تنكح فأذن لها فنكحت

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله في الرواية الثالثة ( أن سبيعة نفست ) بضم النون وكسر الفاء أي ولدت .

                                                                                                                                                                                                        قوله ‏ ( ‏بعد وفاة زوجها بليال‏ ) ‏ كذا أبهم المدة ، وكذا فياية سليمان بن يسار عند مسلم مثله وفي رواية الزهري ‏ " ‏ فلم تنشب أن وضعت " ووقع في رواية محمد بن إبراهيم التميمي عن أبي سلمة عن سبيعة عند أحمد ‏ " ‏ فلم أمكث إلا شهرين حتى وضعت ‏ " ‏ وفي رواية داود بن أبي عاصم ‏ " ‏ فولدت لأدنى من أربشهر ‏ " ‏ وهذا أيضا مبهم وفي رواية يحيى بن أبي كثير الماضية في تفسير الطلاق ‏ " ‏ فوضعت بعد موته بأربعين ليلة ‏ " ‏ كذا في رواية شيبان عنه ي رواية حجاج الصواف عند النسائي ‏ " ‏ بعشرين ليلة ‏ " ‏ ووقع عند ابن أبي حاتم من رواية أيوب عن يحيى ‏ " ‏ بعشريلة أو خمس عشرة ‏ " ‏ ووقعت في رواية الأسود ‏ " ‏ فوضعت بعد وفاة زوجها بثلاثة وعشرين يوما أو خمسة وعشرين يوما ‏ " ‏ كذا عند الترمذي والنسائي وعند ابن ماجه ‏ " ‏ ببضع وعشرين ليلة ‏ " ‏ وكأن الراوي ألغى الشك وأتى بلفظ يشمل الأمرين . وقع في رواية عبد ربه بن سعيد ‏ " ‏ ف شهر ‏ " ‏ وكذا في رواية شعبة بلفظ ‏ " ‏ خمسة عشر ، نصف شهر ‏ " ‏ وكذا في حديث ابن مسعود عند أحمد ، والجمع بين هذه الروايات متعذتحاد [ ص: 384 ] القصة ، ولعل هذا هو السر في إبهام من أبهم المدة ، إذ محل الخلاف أن تضع لدون أربعة أشهر وهو هنا كذلك ، فأقل ما قيل في هذه الروايات نصف شهر ، وأما ما وقع في بعض الشروح أن في البخاري رواية عشر ليال وفي رواية للطبراني ثمان أو سبع فهو في مدة إقامتها بعد الوضع إلى أن استفتت النبي صلى الله عليه وسلم لا في مدة بقية الحمل ، وأكثر ما قيل فيه بالتصريح شهرين وبغيره دون أربعة أشهر ، وقد قال جمهور العلماء من السلف وأئمة الفتوى في الأمصار‏ : ‏ إن الحامل إذا مات عنها زوجها تحل بوضع الحمل وتنقضي عدة الوفاة ، وخالف في ذلك علي فقال‏ : ‏ تعتد آخر الأجلين ، ومعنأنها إن وضعت قبل مضي أربعة أشهر وعشر تربصت إلى انقضائها ولا تحل بمجرد الوضع ، وإن انقضت المدة قبل الوضع تربصت إلى الوضع أخرجه سعيد بن منصور وعبد بن حميد بن علي بسند صحيح وبه قال ابن عباس كما في هذه القصة ، ويقال إنه رجع عنه ، ويقويه أن المنقول عن أتباعه وفاق الجماعة في ذلك ، وتقدم في تفسير الطلاق أن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنكر على ابن سيرين القول بانقضاء عدتها بالوضع ، وأنكر أن يكون ابن مسعود قال بذلك ، وقد ثبت عن ابن مسعود من عدة طرق أنه كان يوافق الجماعة حتى كان يقول ‏ " ‏ من شاء لاعنته على ذلك ‏ " ‏ ويظهر من مجموع الطرق في قصة سبي أن أبا السنابل رجع عن فتواه أولا أنها لا تحل حتى تمضي مدة عدة الوفاة لأنه قد روى قصة سبيعة ورد النبي صلى الله عليه وسلم ما أفتاها أبو السنابل به من أنها لا تحل حتى يمضي لها أربعة أشهر وعشر ولم يرد عن أبي السنابل تصريح في حكمها لو انقضت المدة قبل الوضع هل كان يقول بظاهر إطلاقه من انقضاء العدة أو لا‏ ؟‏ لكن نقل غير واحد الإجماع على أنها لا تنقضي في هذه الحالة الثانية حتى تضع ، وقد وافق سحنون من المالكية عليا نقله المازري وغيره‏ . وهو شذوذ مردود لأنه إحداث خلاف بعد استقرار الإجماع ، والسبب الحامل له الحرص على العمل بالآيتين اللتين تعارض عمومهما ، فقوله تعالى ‏ والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ‏ عام في كل من مات عنها زوجها ، يشمل الحامل ويرها ، وقوله تعالى ‏وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ‏ ‏ عام أيضا يشمل المطلقة والمتوفى عنها ، فجمع أولئك بين العمومين بقصر الثانية علىمطلقة بقرينة ذكر عدد المطلقات ، كالآيسة والصغيرة قبلهما ، ثم لم يهملوا ما تناولته الآية الثانية من العموم ، لكن قصروه على من مضت عليها المدة ولم تضع ، فكان تخصيص بعض العموم أولى وأقرب إلى العمل بمقتضى الآيتين من إلغاء أحدهما في حق بعض من شمله العموم ، قال القرطبي‏ : ‏ هذا نظر حسن ، فإن الجمع أولى منالترجيح باتفاق أهل الأصول ، لكن حديث سبيعة نص بأنها تحل بوضع الحمل فكان فيه بيان للمراد بقوله تعالى ‏ يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ‏ أنه في حق من لم تضع ، وإلى ذلك أشار ابن مسعود بقوله ‏ " ‏ إن آية الطلاق نزلت بعد آية البقرة ‏ " ‏ وفهم بعضهم منه أنه يرى نسخ الأولىأخيرة ، وليس ذلك مراده ، وإنما يعني أنها مخصصة لها فإنها أخرجت منها بعض متناولاتها . وقال ابن عبد البر‏ : ‏ لولا حديث سبيعة لكان القول مقال علي وابن عباس لأنهما عدتان مجتمعتان بصفتين وقد اجتمعتا في الحامل المتوفى عنها زوجها فلا تخرج من عدتها إلا بيقين واليقين آخر الأجلين‏ . وقد اتفق الفقهاء من أهل الحجاز والعراق أن أم الولد لو كانت متزوجة فمات زوجها ومات سيدها معا أن عليها أن تأتي بالعدة والاستبراء بأن تتربص أربعة أشهر وعشرا فيها حيضة أو بعدها ، ويترجح قول الجمهور أيضا بأن الآيتين وإن كانتا عامتين من وجه خاصتين من وجه فكان الاحتياط أن لا تنقضي العدة إلا بآخر الأجلين ، لكن لما كان المعنى المقصود الأصلي من العدة براءة الرحم - ولا سيما فيمن تحيض - يحصل المطلوب بالوضع ، ووافق ما دل عليه حديث سبيعة ويقويه قول ابن مسعود في تأخر نزول آية الطلاق عن آية [ ص: 385 ] البقرة‏ . ‏واستدل بقوله ‏ " ‏ فأفت بأني حللت حين وضعت حملي ‏ " ‏ بأنه يجوز العقد عليها إذا وضعت ولو لم تطهر من دم النفاس ، وبه قال الجمهور وإلى ذلك أشار ابن شهاب في آخر حديثه عند مسلم بقوله ‏ " ‏ ولا أرى بأسا أن تتزوج حين وضعت وإن كانت في دمها غير أنه لا يقربها زوجها حتى تطهر ‏ " ‏ وقال الشعبي والحسن والنخعي وحماد بن سلمة ‏ : ‏ لا تنكح حتى تطهر ، قال القرطبي‏ : ‏ وحديث سبيعة حجة عليهم ، ولا حجة لهم في قوله في بعض طرقه ‏لما تعلت من نفاسها ‏ " ‏ لأن لفظ تعلت كما يجوز أن يكون معناه طهرت جاز أن يكون استعلت من ألم النفاس ، وعلى تقدير تسليم الأول فلا حجة فيه أيضا لأنها حكاية واقعة سبيعة ، والحجة إنما هو في قول النبي صلى الله عليه وسلم ‏ " ‏ إنها حلت حين وضعت ‏ " ‏ كما في حديث الزهري المتقدم ذكره .

                                                                                                                                                                                                        وفي رواية عمر عن الزهري ‏ " ‏ حللت حين وضعت حملك ‏ " ‏ وكذا أخرجه أحمد من حديث أبي بن كعب ‏ " ‏ أن امرأته أم الطفيل قالت لعمر قد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيعة أن تنكح إذا وضعت ‏ " ‏ وهو ظاهر القرآن في قوله تعالى ‏ أن يضعن حملهن‏ فعلق الحل بحين الوضع وقصره عليه ولم يقل إذا طهرت ولا إذا انقطع دمك ، فصح ما قال الجمهور‏ . ‏ وفي قصة سبيعة من الفوائد أن الصحابة كانوا يفتون في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن المفتي إذا كان له ميل إلى الشيء لا ينبغي له أن يفتي فيه لئلا يحمله الميل إليه على ترجيح ما هو مرجوح كما وقع لأبي السنابل حيث أفتى سبيعة أنها لا تحل بالوضع لكونه كان خطبها فمنعته ورجا أنها إذا قبلت ذلك منه وانتظرت مضي المدة حضر أهلها فرغبوها في زواجه دون غيره ‏

                                                                                                                                                                                                        ‏وفيه ما كان في سبيعة من الشهامة والفطنة حيث ترددت فيما أفتاها به حتى حملها ذلك على استيضاح الحكم من الشارع ، وهكذا ينبغي لمن ارتاب في فتوى امفتي أو حكم الحاكم في مواضع الاجتهاد أن يبحث عن النص في تلك المسألة ، ولعل ما وقع من أبي السنابل من ذلك هو السر في إطلاق النبي صلى الله عليه وسلم أنه كذب في الفتوى المذكورة كما أخرجه أحمد من حديث ابن مسعود على أن الخطأ قد يطلق عليه الكذب وهو في كلام أهل الحجاز كثير ، وحمله بعض العلماء على ظاهره فقال‏ : ‏ إنما كذبه لأنه كان عالما بالقصة وأفتى بخلافه حكاه ابن داود عن الشافعي في ‏ " ‏ شرح المختص‏ " ‏ وهو بعيد وفيه الرجوع في الوقائع إلى الأعلم ، ومباشرة المرأة السؤال عما ينزل بها ولو كان مما يستحي النساء من مثله لكن خروجها من منزلها للا يكون أستر لها كما فعلت سبيعة ‏ . ‏ وفيه أن الحامل تنقضي عدتها بالوضع على أي صفة كان من مضغة أو من علقة ، سواء استبان خلق الآدمي أم ل ، لأنه صلى الله عليه وسلم رتب الحل على الوضع من غير تفصيل ، وتوقف ابن دقيق العيد فيه من جهة أن الغالب في إطلاق وضع الحامل هو الحمل التام المتخلق ، وأما خروج المضغة أو العلقة فهو نادر ، والحمل على الغالب أقوى ، ولهذا نقل عن الشافعي قول بأن العدة لا تنقضي بوضع قطعة لحم ليس فيها صورة بينة ولا خفية ، وأجيب عن الجمهور بأن المقصود في انقضاء العدة براءة الرحم ، وهو حاصل بخروج المضغة أو العلقة ، بخلاف أم الولد فإن المقصود منها الولادة ، وما لا يصدق عليه أنه أصل آدمي لا يقال فيه ولدت‏ .

                                                                                                                                                                                                        ‏وفيه جواز تجمل المرأة بعد انقضاء عدتها لمن يخطبها ، لأن في رواية الزهري الي في المغازي ‏ " ‏ فقال ما لي أراك تجملت للخطاب ‏ " ‏ وفي رواية ابن إسحاق ‏ " ‏ فتهيأت للنكاح واختضبت ‏ " ‏ وفي رواية معمر عن الزهري عند أحمد ‏ " ‏ فلقيها أبو السنابل وقد اكتحلت ‏ " الأسود ‏ " ‏ فتطيبت وتصنعت ‏ " ‏ وذكر الكرماني أنه وقع في بعض طرق حديث عة أن زوجها مات وهي حاملة وفي معظمها حامل وهو الأشهر لأن الحمل من صفات النساء فلا يحتاج إلى علامة التأنيث ، ووجه الأول أنه أريد بأنها ذات حمل بالفعل كما قيل في قوله تعالى ‏ تذهل كل مرضعة فلو أريد أن الإرضاع من شأنها لقيل كل مرضع اهـ‏ . والذي وقفنا عليه في جميع [ ص: 386 ] الرايات ‏ " ‏ وهي حامل ‏ " ‏ وفي كلام أبي السنابل ‏ " ‏ لست بناكح ‏ " ‏ واستدل به على أن المرأة لا يجب عليها التزويج لقولها في الخبر من طريق الزهري وأمرني بالتزويج إن بدا لي ‏ " ‏ وهو مبين للمراد من قوله في رواية سليمان بن يسار " وأمرها بالتزويج ‏ " ‏ فيكون معناه وأذن لها ، وكذا ما وقع في الطريق الأولى من الباب ‏ " ‏ فقال انكحي ‏ " ‏ وفي رواية ابن إسحاق عند أحمد ‏ " ‏ فقد حللت فتزوجي ‏ " ‏ ووقع في رواية الأسود عن أبي الس عند ابن ماجه في آخره ‏ " ‏ فقال إن وجدت زوجا صالحا فتزوجي ‏ " وفي حديث ابن مسعود عند أحمد ‏ " ‏ إذا أتاك أحد ترضينه‏ " . وفيه أنيب لا تزوج إلا برضاها من ترضاه ولا إجبار لأحد عليها وقد تقدم بيانه في غير هذا الحديث .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية