الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب قصة فاطمة بنت قيس وقول الله واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن إلى قوله بعد عسر يسرا

                                                                                                                                                                                                        5015 حدثنا إسماعيل حدثنا مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد وسليمان بن يسار أنه سمعهما يذكران أن يحيى بن سعيد بن العاص طلق بنت عبد الرحمن بن الحكم فانتقلها عبد الرحمن فأرسلت عائشة أم المؤمنين إلى مروان بن الحكم وهو أمير المدينة اتق الله وارددها إلى بيتها قال مروان في حديث سليمان إن عبد الرحمن بن الحكم غلبني وقال القاسم بن محمد أوما بلغك شأن فاطمة بنت قيس قالت لا يضرك أن لا تذكر حديث فاطمة فقال مروان بن الحكم إن كان بك شر فحسبك ما بين هذين من الشر

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        380 قوله ( باب قول الله تعالى : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) سقط لفظ " باب " لأبي ذر ، والمراد بالمطلقات هنا ذوات الحيض كما دلت عليه آية سورة الطلاق المذكورة قبل ، والمراد بالتربص الانتظار وهو خبر بمعنى الأمر ، وقرأ الجمهور " قروء " بالهمز وعن نافع بتشديد الواو بغير همز .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وقال إبراهيم ) هو النخعي ( فيمن تزوج في العدة فحاضت عنده ثلاث حيض بانت من الأول ولا تحتسب به لمن بعده ، وقال الزهري : تحتسب ، وهذا أحب إلى سفيان ) زاد في نسخة الصغاني " يعني قول الزهري " وصله ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن مهدي " عن سفيان وهو الثوري عن مغيرة عن إبراهيم في رجل طلق فحاضت فتزوجها رجل فحاضت ، قال : بانت من الأول ، ولا تحتسب الذي بعده " وعن سفيان عن معمر عن الزهري " تحتسب " قال ابن عبد البر لا أعلم أحدا ممن قال الأقراء الأطهار يقول هذا غير الزهري قال : ويلزم على قوله أن المعتدة لا تحل حتى تدخل في الحيضة الرابعة ، وقد اتفق علماء المدينة من الصحابة فمن بعدهم وكذا الشافعي ومالك وأحمد وأتباعهم على أنها إذا طعنت في الحيضة الثالثة طهرت بشرط أن يقع طلاقها في الطهر ، وأما لو وقع في الحيض لم تعتد بتلك الحيضة . وذهب الجمهور إلى أن من اجتمعت عليها عدتان أنها تعتد عدتين ، وعن الحنفية ورواية عن مالك يكفي لها عدة واحدة كقول الزهري والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وقال معمر : يقال أقرأت المرأة إلخ ) معمر هو أبو عبيدة بن المثنى ، وقد تقدم بيان ذلك عنه في أوائل تفسير سورة النور ، وقوله " بسلى " بكسر الموحدة وفتح المهملة والتنوين بغير همز ، السلى هو غشاء الولد ، وقال الأخفش : أقرأت المرأة إذا صارت ذات حيض ، والقرء انقضاء الحيض ويقال هو الحيض نفسه ، ويقال هو من الأضداد . ومراد أبي عبيدة أن القرء يكون بمعنى الطهر وبمعنى الحيض وبمعنى الضم والجمع وهو كذلك ، وجزم به ابن بطال وقال : لما احتملت الآية واختلف العلماء في المراد بالأقراء فيها ترجح قول من قال إن الأقراء الأطهار بحديث ابن عمر حيث أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلق في الطهر ، وقال في حديثه " فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء " فدل على أن المراد بالأقراء الأطهار والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 387 ] قوله ( قصة فاطمة بنت قيس ) كذا للأكثر ، ولبعضهم " باب " وبه جزم ابن بطال والإسماعيلي ; وفاطمة هي بنت قيس بن خالد من بني محارب بن فهر بن مالك ، وهي أخت الضحاك بن قيس الذي ولي العراق ليزيد بن معاوية وقتل بمرج راهط ، وهو من صغار الصحابة ، وهي أسن منه وكانت من المهاجرات الأول ، وكان لها عقل وجمال وتزوجها أبو عمرو بن حفص - ويقال أبو حفص بن عمرو - بن المغيرة المخزومي وهو ابن عم خالد بن الوليد بن المغيرة فخرج مع علي لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فبعث إليها بتطليقة ثالثة بقيت لها ، وأمر ابني عميه الحارث بن هشام وعياش بن أبي ربيعة أن يدفعا لها تمرا وشعيرا ، فاستقلت ذلك وشكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها : ليس بك سكنى ولا نفقة ، هكذا أخرج مسلم قصتها من طرق متعددة عنها ، ولم أرها في البخاري وإنما ترجم لها كما ترى ، وأورد أشياء من قصتها بطريق الإشارة إليها ، ووهم صاحب " العمدة " فأورد حديثها بطوله في المتفق . واتفقت الروايات عن فاطمة على كثرتها عنها أنها بانت بالطلاق ، [ ص: 388 ] ووقع في آخر صحيح مسلم في حديث الجساسة عن فاطمة بنت قيس " نكحت ابن المغيرة ، وهو من خيار شباب قريش يومئذ ، فأصيب في الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما تأيمت خطبني أبو جهم " الحديث . وهذه الرواية وهم ، ولكن أولها بعضهم على أن المراد أصيب بجراحة أو أصيب في ماله أو نحو ذلك حكاه النووي وغيره ، والذي يظهر أن المراد بقولها " أصيب " أي مات على ظاهره ، وكان في بعث علي إلى اليمن ، فيصدق أنه أصيب في الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أي في طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا يلزم من ذلك أن تكون بينونتها منه بالموت بل بالطلاق السابق على الموت ، فقد ذهب جمع جم إلى أنه مات مع علي باليمن وذلك بعد أن أرسل إليها بطلاقها ، فإذا جمع بين الروايتين استقام هذا التأويل وارتفع الوهم ، ولكن يبعد بذلك قول من قال إنه بقي إلى خلافة عمر .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وقول الله عز وجل : واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن الآية ) كذا للأكثر ، وللنسفي بعد قوله بيوتهن إلى قوله بعد عسر يسرا ، وساق الآيات كلها إلى يسرا في رواية كريمة .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( إسماعيل ) هو ابن أبي أويس .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( يحيى بن سعيد بن العاص ) أي ابن سعيد بن العاص بن أمية وكان أبوه أمير المدينة لمعاوية ; ويحيى هو أخو عمرو بن سعيد المعروف بالأشدق .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( طلق بنت عبد الرحمن بن الحكم ) هي بنت أخي مروان الذي كان أمير المدينة أيضا لمعاوية حينئذ وولي الخلافة بعد ذلك ، واسمها عمرة فيما قيل ، وسيأتي في الخبر الثالث أنه طلقها ألبتة .

                                                                                                                                                                                                        قوله " قال مروان في حديث سليمان أن عبد الرحمن غلبني ) وهو موصول بالإسناد المذكور إلى يحيى بن سعيد ، وهو الذي فصل بين حديثي شيخيه فساق ما اتفقا عليه ثم بين لفظ سليمان وهو ابن يسار وحده ولفظ القاسم بن محمد وحده ، وقول مروان إن عبد الرحمن غلبني أي لم يطعني في ردها إلى بيتها ، وقيل مراده غلبني بالحجة لأنه احتج بالشر الذي كان بينهما .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( قالت لا يضرك أن لا تذكر حديث فاطمة ) أي لأنه لا حجة فيه لجواز انتقال المطلقة من منزلها بغير سبب .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( فقال مروان بن الحكم إن كان بك شر ) أي إن كان عندك أن سبب خروج فاطمة ما وقع بينها وبين أقارب زوجها من الشر فهذا السبب موجود ولذلك قال " فحسبك ما بين هذين من الشر " ، وهذا مصير من مروان إلى الرجوع عن رد خبر فاطمة فقد كان أنكر ذلك على فاطمة بنت قيس كما أخرجه النسائي من طريق شعيب عن الزهري " أخبرني عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان طلق بنت سعيد بن زيد ألبتة وأمها حزمة بنت قيس ، فأمرتها خالتها فاطمة بنت قيس بالانتقال ، فسمع بذلك مروان فأنكر ، فذكرت أن خالتها أخبرتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفتاها بذلك ، فأرسل مروان قبيصة بن ذؤيب إلى فاطمة يسألها عن ذلك فذكرت " الحديث ، وأخرجه مسلم من طريق معمر عن الزهري دون ما في أوله وزاد " فقال مروان لم يسمع هذا الحديث إلا من امرأة فسنأخذ بالعصمة التي وجدنا عليها الناس " وسيأتي له طريق أخرى في الباب [ ص: 389 ] الذي بعده ، فكأن مروان أنكر الخروج مطلقا ثم رجع إلى الجواز بشرط وجود عارض يقتضي جواز خروجها من منزل الطلاق كما سيأتي .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية