الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب إماطة الأذى عن الصبي في العقيقة

                                                                                                                                                                                                        5154 حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن سلمان بن عامر قال مع الغلام عقيقة وقال حجاج حدثنا حماد أخبرنا أيوب وقتادة وهشام وحبيب عن ابن سيرين عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال غير واحد عن عاصم وهشام عن حفصة بنت سيرين عن الرباب عن سلمان بن عامر الضبي عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه يزيد بن إبراهيم عن ابن سيرين عن سلمان قوله وقال أصبغ أخبرني ابن وهب عن جرير بن حازم عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين حدثنا سلمان بن عامر الضبي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله ( باب إماطة الأذى عن الصبي في العقيقة " الإماطة الإزالة .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( عن محمد ) هو ابن سيرين .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( عن سلمان بن عامر ) هو الضبي ، وهو صحابي سكن البصرة ، ما له في البخاري غير هذا الحديث ، وقد أخرجه من عدة طرق موقوفا ومرفوعا موصولا من الطريق الأولى لكنه لم يصرح برفعه فيها ; ومعلقا من الطرق الأخرى صرح في طريق منها بوقفه وما عداها مرفوع . قال الإسماعيلي لم يخرج البخاري في الباب حديثا صحيحا على شرطه ، أما حديث حماد بن زيد يعني الذي أورده موصولا فجاء به موقوفا وليس فيه ذكر إماطة الأذى الذي ترجم به ، وأما حديث جرير بن حازم فذكره بلا خبر ، وأما حديث حماد بن سلمة فليس من شرطه في الاحتجاج .

                                                                                                                                                                                                        قلت : أما حديث حماد بن زيد فهو المعتمد عليه عند البخاري ، لكنه أورده مختصرا ، فكأنه سمعه كذلك من شيخه أبي النعمان ، واكتفى به كعادته في الإشارة إلى ما ورد في بعض الحديث الذي يورده ، وقد أخرجه أحمد عن يونس بن محمد عن حماد بن زيد فزاد في المتن " فأهريقوا عنه دما ، وأميطوا عنه الأذى " ولم يصرح برفعه ، وأخرجه أيضا عن يونس بن محمد عن حماد بن زيد عن هشام عن محمد بن سيرين فصرح برفعه ، وأخرجه أيضا عن عبد الوهاب عن ابن عون وسعيد عن محمد بن سيرين عن سلمان مرفوعا ، وأخرجه الإسماعيلي من طريق سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن أيوب فقال فيه " رفعه " وأما حديث جرير بن حازم وقوله إنه ذكره بلا خبر ، يعني لم يقل في أول الإسناد أنبأنا أصبغ بل قال " قال أصبغ " لكن أصبغ من شيوخ البخاري قد أكثر عنه في الصحيح ، فعلى قول الأكثر هو موصول كما قرره ابن الصلاح في " علوم الحديث " وعلى قول ابن [ ص: 505 ] حزم هو منقطع وهذا كلام الإسماعيلي يشير إلى موافقته ، وقد زيف الناس كلام ابن حزم في ذلك ، وأما كون حماد بن سلمة على شرطه في الاحتجاج فمسلم ، لكن لا يضره إيراده للاستشهاد كعادته .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وقال حجاج ) هو ابن منهال ، وحماد هو ابن سلمة ، وقد وصله الطحاوي وابن عبد البر والبيهقي من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي عن حجاج بن منهال " حدثنا حماد بن سلمة به " وقد أخرجه النسائي من رواية عفان والإسماعيلي من طريق حبان بن هلال وعبد الأعلى بن حماد وإبراهيم بن الحجاج كلهم عن حماد بن سلمة فزادوا مع الأربعة الذين ذكرهم البخاري - وهم أيوب وقتادة وهشام وهو ابن حسان وحبيب وهو ابن الشهيد - يونس وهو ابن عبيد ويحيى بن عتيق ، لكن ذكر بعضهم عن حماد ما لم يذكر الآخر ، وساق المتن كله على لفظ حبان ، وصرح برفعه ولفظه " في الغلام عقيقة فأهرقوا عنه الدم ، وأميطوا عنه الأذى " قال الإسماعيلي : وقد رواه الثوري موصولا مجردا ثم ساقه من طريق أبي حذيفة عن سفيان عن أيوب كذلك ، فاتفق هؤلاء على أنه من حديث سلمان بن عامر ، وخالفهم وهيب فقال " عن أيوب عن محمد عن أم عطية قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مع الغلام " فذكر مثله سواء ، أخرجه أبو نعيم في مستخرجه من رواية حوثرة بن محمد بن أبي هشام عن وهيب به ، ووهيب من رجال الصحيحين وأبو هشام اسمه المغيرة بن سلمة احتج به مسلم وأخرج له البخاري تعليقا ووثقه ابن المديني والنسائي وغيرهما ، وحوثرة بحاء مهملة ومثلثة وزن جوهرة بصري يكنى أبا الأزهر احتج به ابن خزيمة في صحيحه ، وأخرج عنه من الستة ابن ماجه ، وذكر أبو علي الجياني أن أبا داود روى عنه في كتاب بدء الوحي خارج السنن ، وذكره ابن حبان في الثقات ، فالإسناد قوي إلا أنه شاذ ، والمحفوظ عن محمد بن سيرين عن سلمان بن عامر ، فلعل بعض رواته دخل عليه حديث في حديث .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وقال غير واحد عن عاصم وهشام عن حفصة بنت سيرين عن الرباب عن سلمان بن عامر الضبي عن النبي صلى الله عليه وسلم ) قلت من الذين أبهمهم عن عاصم سفيان بن عيينة أخرجه أحمد عنه بهذا الإسناد فصرح برفعه ، وذكر المتن المذكور وحديثين آخرين : أحدهما في الفطر على التمر ، والثاني في الصدقة على ذي القرابة ، وأخرجه الترمذي من طريق عبد الرزاق والنسائي عن عبد الله بن محمد الزهري كلاهما عن ابن عيينة بقصة العقيقة حسب ، وقال النسائي في روايته عن الرباب عن عمها سلمان به ، والرباب بفتح الراء وبموحدتين مخففا ما لها في البخاري غير هذا الحديث ، وممن رواه عن هشام بن حسان عبد الرزاق أخرجه أحمد عنه عن هشام بالأحاديث الثلاثة ، وأخرجه أبو داود والترمذي من طريق عبد الرزاق ، ومنهم عبد الله بن نمير أخرجه ابن ماجه من طريقه عن هشام به ، وأخرجه أحمد أيضا عن يحيى القطان ومحمد بن جعفر كلاهما عن هشام لكن لم يذكر الرباب في إسناده ، وكذا أخرجه الدارمي عن سعيد بن عامر والحارث بن أبي أسامة عن عبد الله بن بكير السهمي كلاهما عن هشام .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( ورواه يزيد بن إبراهيم عن ابن سيرين عن سلمان قوله ) قلت : وصله الطحاوي في " بيان المشكل " فقال " حدثنا محمد بن خزيمة حدثنا حجاج بن منهال حدثنا يزيد بن إبراهيم به موقوفا " . [ ص: 506 ] قوله ( وقال أصبغ أخبرني ابن وهب إلخ ) وصله الطحاوي عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب به قال الإسماعيلي : ذكر البخاري ابن وهب بلا خبر ، وقد قال أحمد بن حنبل : حديث جرير بن حازم كأنه على التوهم أو كما قال . قلت : لفظ الأثرم عن أحمد حدث بالوهم بمصر ولم يكن يحفظ ، وكذا ذكر الساجي اهـ وهذا مما حدث به جرير بمصر ، لكن قد وافقه غيره على رفعه عن أيوب ، نعم قوله عن محمد " حدثنا سلمان بن عامر " هو الذي تفرد به ، وبالجملة فهذه الطرق يقوي بعضها بعضا ، والحديث مرفوع لا يضره رواية من وقفه .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( مع الغلام عقيقة ) تمسك بمفهومه الحسن وقتادة فقالا : يعق عن الصبي ولا يعق عن الجارية ، وخالفهم الجمهور فقالوا : يعق عن الجارية أيضا ، وحجتهم الأحاديث المصرحة بذكر الجارية ، وسأذكرها بعد هذا ، فلو ولد اثنان في بطن استحب عن كل واحد عقيقة ، ذكره ابن عبد البر عن الليث وقال : لا أعلم عن أحد من العلماء خلافه . قوله ( فأهريقوا عنه دما ) كذا أبهم ما يهراق في هذا الحديث وكذا في حديث سمرة الآتي بعده ، وفسر ذلك في عدة أحاديث منها حديث عائشة أخرجه الترمذي وصححه من رواية يوسف بن ماهك " أنهم دخلوا على حفصة بنت عبد الرحمن - أي ابن أبي بكر الصديق - فسألوها عن العقيقة ، فأخبرتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم عن الغلام شاتان مكافئتان ، وعن الجارية شاة " وأخرجه أصحاب السنن الأربعة من حديث أم كرز أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة واحدة ، ولا يضركم ذكرانا كن أو إناثا " قال الترمذي صحيح ، وأخرجه أبو داود والنسائي من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه أثناء حديث قال " من أحب أن ينسك عن ولده فليفعل : عن الغلام شاتان مكافئتان ، وعن الجارية شاة " قال داود بن قيس رواية عن عمرو : سألت زيد بن أسلم عن قوله مكافئتان فقال : متشابهتان تذبحان جميعا أي لا يؤخر ذبح إحداهما عن الأخرى " وحكى أبو داود عن أحمد المكافئتان المتقاربتان ، قال الخطابي : أي في السن .

                                                                                                                                                                                                        وقال الزمخشري : معناه متعادلتان لما يجزي في الزكاة وفي الأضحية ، وأولى من ذلك كله ما وقع في رواية سعيد بن منصور في حديث أم كرز من وجه آخر عن عبيد الله بن أبي يزيد بلفظ " شاتان مثلان " ووقع عند الطبراني في حديث آخر " قيل : ما المكافئتان ؟ قال المثلان " وما أشار إليه زيد بن أسلم من ذبح إحداهما عقب الأخرى حسن ، ويحتمل الحمل على المعنيين معا ، وروى البزار وأبو الشيخ من حديث أبي هريرة رفعه " أن اليهود تعق عن الغلام كبشا ولا تعق عن الجارية ، فعقوا عن الغلام كبشين وعن الجارية كبشا " وعند أحمد من حديث أسماء بنت يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم " العقيقة حق عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة " وعن أبي سعيد نحو حديث عمرو بن شعيب أخرجه أبو الشيخ ، وتقدم حديث ابن عباس أول الباب ، وهذه الأحاديث حجة للجمهور في التفرقة بين الغلام والجارية ، وعن مالك هما سواء فيعق عن كل واحد منهما شاة ، واحتج له بما جاء " أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا " أخرجه أبو داود ولا حجة فيه فقد أخرجه أبو الشيخ من وجه آخر عن عكرمة عن ابن عباس بلفظ " كبشين كبشين " وأخرج أيضا من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مثله ، وعلى تقدير ثبوت رواية أبي داود فليس في الحديث ما يرد به الأحاديث المتواردة في التنصيص على التثنية للغلام ، بل غايته أن يدل على جواز الاقتصار ، وهو كذلك ، فإن العدد ليس شرطا بل [ ص: 507 ] مستحب . وذكر الحليمي أن الحكمة في كون الأنثى على النصف من الذكر أن المقصود استبقاء النفس فأشبهت الدية ، وقواه ابن القيم بالحديث الوارد في أن من أعتق ذكرا أعتق كل عضو منه ، ومن أعتق جاريتين كذلك ، إلى غير ذلك مما ورد . ويحتمل أن يكون في ذلك الوقت ما تيسر العدد . واستدل بإطلاق الشاة والشاتين على أنه لا يشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية ، وفيه وجهان للشافعية ، وأصحهما يشترط وهو بالقياس لا بالخبر ، ويذكر الشاة والكبش على أنه يتعين الغنم للعقيقة ، وبه ترجم أبو الشيخ الأصبهاني ونقله ابن المنذر عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ، وقال البندنيجي من الشافعية : لا نص للشافعي في ذلك ، وعندي أنه لا يجزئ غيرها ، والجمهور على إجزاء الإبل والبقر أيضا ، وفيه حديث عند الطبراني وأبي الشيخ عن أنس رفعه " يعق عنه من الإبل والبقر والغنم " ونص أحمد على اشتراط كاملة ، وذكر الرافعي بحثا أنها تتأدى بالسبع كما في الأضحية والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وأميطوا ) أي أزيلوا وزنا ومعنى .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( الأذى ) وقع عند أبي داود من طريق سعيد بن أبي عروبة وابن عون عن محمد بن سيرين قال " إن لم يكن الأذى حلق الرأس فلا أدري ما هـو " وأخرج الطحاوي من طريق يزيد بن إبراهيم عن محمد بن سيرين قال " لم أجد من يخبرني عن تفسير الأذى " اهـ . وقد جزم الأصمعي بأنه حلق الرأس ، وأخرجه أبو داود بسند صحيح عن الحسن كذلك ، ووقع في حديث عائشة عند الحاكم " وأمر أن يماط عن رءوسهما الأذى " ولكن لا يتعين ذلك في حلق الرأس ، فقد وقع في حديث ابن عباس عند الطبراني " ويماط عنه الأذى ويحلق رأسه " فعطفه عليه ، فالأولى حمل الأذى على ما هـو أعم من حلق الرأس ، ويؤيد ذلك أن في بعض طرق حديث عمرو بن شعيب " ويماط عنه أقذاره " رواه أبو الشيخ .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية