الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                397 حدثني محمد بن المثنى حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله قال حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام قال ارجع فصل فإنك لم تصل فرجع الرجل فصلى كما كان صلى ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليك السلام ثم قال ارجع فصل فإنك لم تصل حتى فعل ذلك ثلاث مرات فقال الرجل والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا علمني قال إذا قمت إلى الصلاة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة وعبد الله بن نمير ح وحدثنا ابن نمير حدثنا أبي قالا حدثنا عبيد الله عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة أن رجلا دخل المسجد فصلى ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية وساقا الحديث بمثل هذه القصة وزادا فيه إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : دخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السلام فقال : [ ص: 82 ] ارجع فصل فإنك لم تصل ، فرجع الرجل فصلى كما كان صلى ثم جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسلم عليه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : وعليك السلام ثم قال : ارجع فصل فإنك لم تصل ، حتى فعل ذلك ثلاث مرات ، فقال الرجل : والذي بعثك بالحق ما أحسن غير هذا علمني قال : إذا قمت إلى الصلاة فكبر ، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ، ثم اركع حتى تطمئن راكعا ، ثم ارفع حتى تعتدل قائما ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها وفي رواية إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر هذا الحديث مشتمل على فوائد كثيرة وليعلم أولا أنه محمول على بيان الواجبات دون السنن فإن قيل : لم يذكر فيه كل الواجبات فقد بقي واجبات مجمع عليها ومختلف فيها فمن المجمع عليه النية ، والقعود في التشهد الأخير ، وترتيب أركان الصلاة .

                                                                                                                ومن المختلف فيه : التشهد الأخير والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه ، والسلام وهذه الثلاثة واجبة عند الشافعي - رحمه الله تعالى - ، وقال بوجوب السلام الجمهور ، وأوجب التشهد كثيرون ، وأوجب الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الشافعي الشعبي وأحمد بن حنبل وأصحابهما ، وأوجب جماعة من أصحاب الشافعي نية الخروج من الصلاة ، وأوجب أحمد - رحمه الله تعالى - التشهد الأول ، وكذلك التسبيح وتكبيرات الانتقالات ، فالجواب أن الواجبات الثلاثة المجمع عليها كانت معلومة عند السائل فلم يحتج إلى بيانها ، وكذا المختلف فيه عند من يوجبه يحمله على أنه كان معلوما عنده ، وفي هذا الحديث دليل على أن إقامة الصلاة ليست واجبة ، وفيه وجوب الطهارة ، واستقبال القبلة ، وتكبيرة الإحرام ، والقراءة ، وفيه أن التعوذ ، ودعاء الافتتاح ، ورفع اليدين في تكبيرة الإحرام ، ووضع اليد اليمنى على اليسرى ، وتكبيرات الانتقالات ، وتسبيحات الركوع والسجود ، وهيئات الجلوس ، ووضع اليد على الفخذ ، وغير ذلك مما لم يذكره في الحديث ليس بواجب إلا ما ذكرناه من المجمع عليه والمختلف فيه . وفيه دليل على وجوب الاعتدال عن الركوع ، والجلوس بين السجدتين . ووجوب الطمأنينة في الركوع والسجود ، والجلوس بين السجدتين ، وهذا مذهبنا ومذهب الجمهور ، ولم يوجبها أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - ، وطائفة يسيرة ، وهذا الحديث حجة عليهم ، وليس عنه جواب صحيح . وأما الاعتدال فالمشهور من مذهبنا ومذاهب العلماء يجب الطمأنينة فيه كما يجب في الجلوس بين [ ص: 83 ] السجدتين ، وتوقف في إيجابها بعض أصحابنا . واحتج هذا القائل بقوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث : ثم ارفع حتى تعتدل قائما فاكتفى بالاعتدال ولم يذكر الطمأنينة كما ذكرها في الجلوس بين السجدتين ، وفي الركوع والسجود . وفيه وجوب القراءة في الركعات كلها وهو مذهبنا ومذهب الجمهور كما سبق . وفيه أن المفتي إذا سئل عن شيء وكان هناك شيء آخر يحتاج إليه السائل ولم يسأله عنه يستحب له أن يذكره له ويكون هذا من النصيحة لا من الكلام فيما لا يعني ، وموضع الدلالة أنه قال : علمني يا رسول الله ، أي علمني الصلاة فعلمه الصلاة ، واستقبال القبلة ، والوضوء ، وليسا من الصلاة لكنهما شرطان لها .

                                                                                                                وفيه الرفق بالمتعلم والجاهل وملاطفته وإيضاح المسألة وتلخيص المقاصد والاقتصار في حقه على المهم دون المكملات التي لا يحتمل حاله حفظها والقيام بها .

                                                                                                                وفيه استحباب السلام عند اللقاء ، ووجوب رده ، وأنه يستحب تكراره إذا تكرر اللقاء ، وإن قرب العهد ، وأنه يجب رده في كل مرة ، وأن صيغة الجواب وعليكم السلام أو وعليك بالواو ، وهذه الواو مستحبة عند الجمهور ، وأوجبها بعض أصحابنا . وليس بشيء بل الصواب أنها سنة . قال الله تعالى : قالوا سلاما قال سلام وفيه أن من أخل ببعض واجبات الصلاة لا تصح صلاته ، ولا يسمى مصليا بل يقال : لم تصل فإن قيل : كيف تركه مرارا يصلي صلاة فاسدة فالجواب أنه لم يؤذن له في صلاة فاسدة ، ولا علم من حاله أنه يأتي بها في المرة الثانية والثالثة فاسدة ، بل هو محتمل أن يأتي بها صحيحة وإنما لم يعلمه أولا ليكون أبلغ في تعريفه وتعريف غيره بصفة الصلاة المجزئة كما أمرهم بالإحرام بالحج ثم بفسخه إلى العمرة ليكون أبلغ في تقرير ذلك عندهم . والله أعلم .

                                                                                                                واعلم أنه وقع في إسناد هذا الحديث في مسلم عن يحيى بن سعيد عن عبيد الله قال : حدثني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة قال الدارقطني في استدراكاته : خالف يحيى بن سعيد في هذا جميع أصحاب عبيد الله فكلهم رووه عن عبيد الله عن سعيد عن أبي هريرة ثم يذكروا أباه قال الدارقطني : ويحيى حافظ فيعتمد ما رواه فحصل أن الحديث صحيح لا علة فيه ، ولو كان الصحيح ما رواه الأكثرون لم يضر في صحة المتن ، وقد سبق بيان مثل هذا مرات في أول الكتاب ومقصودي بذكر هذا ألا يغتر بذكر الدارقطني أو غيره له في الاستدراكات . والله - عز وجل - أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية