الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر

                                                                                                                33 حدثني حرملة بن يحيى التجيبي أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أن محمود بن الربيع الأنصاري حدثه أن عتبان بن مالك وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدرا من الأنصار أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني قد أنكرت بصري وأنا أصلي لقومي وإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم ولم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي لهم وددت أنك يا رسول الله تأتي فتصلي في مصلى فأتخذه مصلى قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سأفعل إن شاء الله قال عتبان فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق حين ارتفع النهار فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذنت له فلم يجلس حتى دخل البيت ثم قال أين تحب أن أصلي من بيتك قال فأشرت إلى ناحية من البيت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر فقمنا وراءه فصلى ركعتين ثم سلم قال وحبسناه على خزير صنعناه له قال فثاب رجال من أهل الدار حولنا حتى اجتمع في البيت رجال ذوو عدد فقال قائل منهم أين مالك بن الدخشن فقال بعضهم ذلك منافق لا يحب الله ورسوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقل له ذلك ألا تراه قد قال لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله قال قالوا الله ورسوله أعلم قال فإنما نرى وجهه ونصيحته للمنافقين قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله قال ابن شهاب ثم سألت الحصين بن محمد الأنصاري وهو أحد بني سالم وهو من سراتهم عن حديث محمود بن الربيع فصدقه بذلك وحدثنا محمد بن رافع وعبد بن حميد كلاهما عن عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري قال حدثني محمود بن ربيع عن عتبان بن مالك قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وساق الحديث بمعنى حديث يونس غير أنه قال فقال رجل أين مالك بن الدخشن أو الدخيشن وزاد في الحديث قال محمود فحدثت بهذا الحديث نفرا فيهم أبو أيوب الأنصاري فقال ما أظن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما قلت قال فحلفت إن رجعت إلى عتبان أن أسأله قال فرجعت إليه فوجدته شيخا كبيرا قد ذهب بصره وهو إمام قومه فجلست إلى جنبه فسألته عن هذا الحديث فحدثنيه كما حدثنيه أول مرة قال الزهري ثم نزلت بعد ذلك فرائض وأمور نرى أن الأمر انتهى إليها فمن استطاع أن لا يغتر فلا يغتر وحدثنا إسحق بن إبراهيم أخبرنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي قال حدثني الزهري عن محمود بن الربيع قال إني لأعقل مجة مجها رسول الله صلى الله عليه وسلم من دلو في دارنا قال محمود فحدثني عتبان بن مالك قال قلت يا رسول الله إن بصري قد ساء وساق الحديث إلى قوله فصلى بنا ركعتين وحبسنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على جشيشة صنعناها له ولم يذكر ما بعده من زيادة يونس ومعمر

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                ( عتبان بن مالك ) بكسر العين على المشهور وحكي ضمها . قوله في حديث عتبان : ( فلم يجلس حتى دخل البيت ، ثم قال : أين تحب أن أصلي من بيتك؟ فأشرت إلى ناحية من البيت ) هكذا هو في جميع نسخ صحيح مسلم ، فلم يجلس حتى دخل ، وزعم بعضهم أن صوابه : حين . قال القاضي هذا غلط ، بل الصواب : حتى ، كما ثبتت الروايات ، ومعناه : لم يجلس في الدار ولا في غيرها حتى دخل البيت مبادرا إلى قضاء حاجتي التي طلبتها وجاء بسببها وهي الصلاة في بيتي ، وهذا الذي قال القاضي واضح متعين ، ووقع في بعض نسخ البخاري ( حين ) ، وفي بعضها ( حتى ) وكلاهما صحيح .

                                                                                                                قوله : ( وحبسناه على خزير ) هو بالخاء المعجمة وبالزاي وآخره راء ويقال : خزيرة بالهاء . قال ابن قتيبة : الخزيرة : لحم يقطع صغارا ثم يصب عليه ماء كثير ، فإذا نضج ذر عليه دقيق ، فإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة . وفي صحيح البخاري قال : قال النضر : الخزيرة من النخالة ، والحريرة بالحاء المهملة والراء المكررة من اللبن ، وكذا قال أبو الهيثم : إذا كانت من نخالة فهي خزيرة ، وإذا كانت من دقيق فهي حريرة ، والمراد نخالة فيها غليظ الدقيق .

                                                                                                                [ ص: 292 ] قوله : في الرواية الأخرى : ( جشيشة ) قال شمر : هي أن تطحن الحنطة طحنا جليلا ثم يلقى فيها لحم أو تمر فتطبخ به .

                                                                                                                قوله : ( فثاب رجال من أهل الدار ) هو بالثاء المثلثة وآخره باء موحدة أي اجتمعوا ، والمراد بالدار هنا المحلة .

                                                                                                                قوله : ( مالك بن الدخشن ) هذا تقدم ضبطه وشرح حديثه في كتاب الإيمان .

                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تقل له ذلك ) أي لا تقل في حقه ذلك . وقد جاءت اللام بمعنى ( في ) في مواضع كثيرة نحو هذا ، وقد بسطت ذلك في كتاب الإيمان من هذا الشرح .

                                                                                                                قوله : ( وهو من سراتهم ) هو بفتح السين أي ساداتهم .

                                                                                                                قوله : ( نرى أن الأمر انتهى إلينا ) ضبطناه ( نرى ) بفتح النون وضمها . وفي حديث عتبان هذا فوائد كثيرة تقدمت في كتاب الإيمان ، منها : أنه يستحب لمن قال : سأفعل كذا أن يقول : إن شاء الله ؛ للآية والحديث ومنها : التبرك بالصالحين وآثارهم ، والصلاة في المواضع التي صلوا بها ، وطلب التبريك منهم . ومنها : أن فيه زيارة الفاضل المفضول وحضور ضيافته ، وفيه : سقوط الجماعة للعذر ، وفيه : استصحاب الإمام والعالم ونحوهما بعض أصحابه . وفيه الاستئذان على الرجل في منزله [ ص: 293 ] وإن كان صاحبه ، وقد تقدم منه استدعاء وفيه الابتداء في الأمور بأهمها ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - جاء للصلاة فلم يجلس حتى صلى . وفيه : جواز صلاة النفل جماعة . وفيه : أن الأفضل في صلاة النهار أن تكون مثنى كصلاة الليل ، وهو مذهبنا ومذهب الجمهور . وفيه : أنه يستحب لأهل المحلة وجيرانهم إذا ورد رجل صالح إلى منزل بعضهم أن يجتمعوا إليه ، ويحضروا مجلسه لزيارته وإكرامه والاستفادة منه . وفيه : أنه لا بأس بملازمة الصلاة في موضع معين من البيت . وإنما جاء في الحديث النهي عن إيطان موضع من المسجد للخوف من الرياء ونحوه . وفيه : الذب عمن ذكر بسوء وهو بريء منه . وفيه : أنه لا يخلد في النار من مات على التوحيد ، وفيه غير ذلك . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( إني لأعقل مجة مجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) هكذا هو في صحيح مسلم ، وزاد ( في ) في رواية البخاري : ( مجها في وجهي ) . قال العلماء : المج طرح الماء من الفم بالتزريق ، وفي هذا ملاطفة الصبيان وتأنيسهم وإكرام آبائهم بذلك ، وجواز المزاح . قال بعضهم : ولعل النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد بذلك أن يحفظه محمود ، فينقله كما وقع فتحصل له فضيلة نقل هذا الحديث وصحة صحبته ، وإن كان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - مميزا وكان عمره حينئذ خمس سنين ، وقيل : أربعا . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية