الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                993 وحدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق بن همام حدثنا معمر بن راشد عن همام بن منبه أخي وهب بن منبه قال هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قال لي أنفق أنفق عليك وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يمين الله ملأى لا يغيضها سحاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق مذ خلق السماء والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه قال وعرشه على الماء وبيده الأخرى القبض يرفع ويخفض

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( يمين الله ملأى سحاء لا يغيضها شيء الليل والنهار ) ضبطوا ( سحاء ) بوجهين أحدهما : سحاء بالتنوين على المصدر ، وهذا هو الأصح الأشهر ، والثاني : حكاه القاضي ( سحاء ) بالمد على الوصف ، ووزنه فعلاء صفة لليد ، والسح : الصب الدائم ، والليل والنهار في هذه الرواية منصوبان على الظرف . ومعنى ( لا يغيضها شيء ) أي لا ينقصها ، يقال : غاض الماء وغاضه الله ، لازم ومتعد . قال القاضي : قال الإمام المازري : هذا مما يتأول ؛ لأن اليمين إذا كانت بمعنى المناسبة للشمال لا يوصف بها الباري سبحانه وتعالى ؛ لأنها تتضمن إثبات الشمال ، وهذا يتضمن التحديد ، ويتقدس الله سبحانه عن التجسيم والحد ، وإنما خاطبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يفهمونه ، وأراد الإخبار بأن الله تعالى لا ينقصه الإنفاق ، ولا يمسك خشية الإملاق جل الله عن ذلك . وعبر صلى الله عليه وسلم عن توالي النعم بسح اليمين ؛ لأن الباذل منا يفعل ذلك [ ص: 67 ] بيمينه ، قال : ويحتمل أن يريد بذلك أن قدرة الله سبحانه وتعالى على الأشياء على وجه واحد لا يختلف ضعفا وقوة ، وأن المقدورات تقع بها على جهة واحدة ، ولا تختلف قوة وضعفا كما يختلف فعلنا باليمين والشمال تعالى الله عن صفات المخلوقين ومشابهة المحدثين .

                                                                                                                وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الثانية : ( وبيده الأخرى القبض ) فمعناه : أنه وإن كانت قدرته سبحانه وتعالى واحدة فإنه يفعل بها المختلفات ولما كان ذلك فينا لا يمكن إلا بيدين ، عبر عن قدرته على التصرف في ذلك باليدين ليفهمهم المعنى المراد بما اعتادوه من الخطاب على سبيل المجاز . هذا آخر كلام المازري .

                                                                                                                قوله في رواية محمد بن رافع : ( لا يغيضها سحاء الليل والنهار ) ضبطناه بوجهين : نصب الليل والنهار ورفعهما ، النصب على الظرف ، والرفع على أنه فاعل .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( وبيده الأخرى القبض يخفض ويرفع ) ضبطوه بوجهين أحدهما : ( الفيض ) بالفاء والياء المثناة تحت . والثاني : ( القبض ) بالقاف والباء الموحدة ، وذكر القاضي أنه بالقاف ، وهو الموجود لأكثر الرواة ، قال : وهو الأشهر والمعروف ، قال : ومعنى القبض الموت ، وأما الفيض - بالفاء - فالإحسان والعطاء والرزق الواسع ، قال : وقد يكون بمعنى القبض بالقاف أي الموت ، قال البكراوي : والفيض : الموت . قال القاضي قيس : يقولون : فاضت نفسه - بالضاد - إذا مات ، وطي يقولون : فاظت نفسه بالظاء . وقيل : إذا ذكرت النفس فبالضاد ، وإذا قيل : فاظ من غير ذكر النفس فبالظاء .

                                                                                                                وجاء في رواية أخرى : " وبيده الميزان يخفض ويرفع " . فقد يكون عبارة عن الرزق ومقاديره ، وقد يكون عبارة عن جملة المقادير . ومعنى ( يخفض ويرفع ) قيل : هو عبارة عن تقدير الرزق يقتره على من يشاء ، ويوسعه على من يشاء ، وقد يكونان عبارة عن تصرف المقادير بالخلق بالعز والذل . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية