الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                106 وحدثني أبو بكر بن خلاد الباهلي حدثنا يحيى وهو القطان حدثنا سفيان حدثنا سليمان الأعمش عن سليمان بن مسهر عن خرشة بن الحر عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة المنان الذي لا يعطي شيئا إلا منه والمنفق سلعته بالحلف الفاجر والمسبل إزاره وحدثنيه بشر بن خالد حدثنا محمد يعني ابن جعفر عن شعبة قال سمعت سليمان بهذا الإسناد وقال ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( المنفق سلعته بالحلف الفاجر ) فهو بمعنى الرواية الأخرى ( بالحلف الكاذب ) ويقال ( الحلف ) بكسر اللام وإسكانها . وممن ذكر الإسكان ابن السكيت في أول إصلاح المنطق .

                                                                                                                وأما ( الفلاة ) بفتح الفاء فهي المفازة والقفر التي لا أنيس بها .

                                                                                                                وأما تخصيصه - صلى الله عليه وسلم - في الرواية الأخرى ( الشيخ الزاني والملك الكذاب والعائل المستكبر ) بالوعيد المذكور : فقال القاضي عياض : سببه أن كل واحد منهم التزم المعصية المذكورة مع بعدها منه ، وعدم ضرورته إليها ، وضعف دواعيها عنده ; وإن كان لا يعذر أحد بذنب لكن لما لم يكن إلى هذه المعاصي ضرورة مزعجة ، ولا دواعي معتادة ، أشبه إقدامهم عليها المعاندة ، والاستخفاف بحق الله تعالى ، وقصد معصيته لا لحاجة غيرها ; فإن الشيخ لكمال عقله وتمام معرفته بطول ما مر عليه من الزمان ، وضعف أسباب الجماع والشهوة للنساء ، واختلال دواعيه لذلك ، عنده ما يريحه من دواعي الحلال في هذا ويخلي سره منه فكيف بالزنا الحرام ، وإنما دواعي ذلك الشباب ، والحرارة الغريزية ، [ ص: 289 ] وقلة المعرفة ، وغلبة الشهوة لضعف العقل ، وصغر السن . وكذلك الإمام لا يخشى من أحد من رعيته ، ولا يحتاج إلى مداهنته ومصانعته ; فإن الإنسان إنما يداهن ويصانع بالكذب وشبهه من يحذره ، ويخشى أذاه ومعاتبته ، أو يطلب عنده بذلك منزلة أو منفعة ، وهو غني عن الكذب مطلقا . وكذلك العائل الفقير قد عدم المال وإنما سبب الفخر والخيلاء والتكبر والارتفاع على القرناء الثروة في الدنيا لكونه ظاهرا فيها ، وحاجات أهلها إليه ; فإذا لم يكن عنده أسبابها فلماذا يستكبر ويحتقر غيره ؟ فلم يبق فعله ، وفعل الشيخ الزاني ، والإمام الكاذب ، إلا لضرب من الاستخفاف بحق الله تعالى . والله أعلم .

                                                                                                                وأما الثلاثة في الرواية الأخيرة فمنهم . رجل منع فضل الماء من ابن السبيل المحتاج ولا شك في غلظ تحريم ما فعل ، وشدة قبحه . فإذا كان من يمنع فضل الماء الماشية عاصيا فكيف بمن يمنعه الآدمي المحترم فإن الكلام فيه . فلو كان ابن السبيل غير محترم كالحربي والمرتد لم يجب بذل الماء له . وأما الحالف كاذبا بعد العصر فمستحق هذا الوعيد وخص ما بعد العصر لشرفه بسبب اجتماع ملائكة الليل والنهار وغير ذلك . وأما مبايع الإمام على الوجه المذكور فمستحق هذا الوعيد لغشه المسلمين وإمامهم ، وتسببه إلى الفتن بينهم بنكثه بيعته لا سيما إن كان ممن يقتدى به . والله أعلم .

                                                                                                                ووقع في معظم الأصول في هذه الرواية عن أبي هريرة : ( ثلاث لا يكلمهم الله ) بحذف الهاء وكذا وقع في بعض الأصول في الرواية الثانية عن أبي ذر وهو صحيح على معنى ثلاث أنفس . وجاء الضمير في يكلمهم مذكرا على المعنى والله سبحانه وتعالى أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية