الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                1211 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وزهير بن حرب جميعا عن ابن عيينة قال عمرو حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا نرى إلا الحج حتى إذا كنا بسرف أو قريبا منها حضت فدخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي فقال أنفست يعني الحيضة قالت قلت نعم قال إن هذا شيء كتبه الله على بنات آدم فاقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي قالت وضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قولها : ( حتى إذا كنا بسرف ) هو بفتح السين المهملة وكسر الراء ، وهو ما بين مكة والمدينة بقرب مكة على أميال منها ، قيل : ستة ، وقيل : سبعة ، وقيل : تسعة ، وقيل عشرة ، وقيل : اثنا عشر ميلا .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( أنفست ) معناه : أحضت ؟ وهو بفتح النون وضمها لغتان مشهورتان ، الفتح أفصح ، والفاء مكسورة فيهما ، وأما النفاس الذي هو الولادة فيقال فيه : ( نفست ) بالضم لا غير .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم في الحيض : ( هذا شيء كتبه الله على بنات آدم ) هذا تسلية لها وتخفيف لهمها ، ومعناه : أنك لست مختصة به ، بل كل بنات آدم يكون منهن هذا ، كما يكون منهن ومن الرجال البول والغائط وغيرهما ، واستدل البخاري في صحيحه في كتاب الحيض بعموم هذا الحديث على أن الحيض كان في جميع بنات آدم ، وأنكر به على من قال : إن الحيض أول ما أرسل ووقع في بني إسرائيل .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( فاقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي ) ، معنى ( اقضي ) افعلي ، كما قال في الرواية الأخرى : ( فاصنعي ) وفي هذا دليل على أن الحائض والنفساء والمحدث والجنب يصح منهم جميع أفعال الحج وأقواله وهيئاته إلا الطواف وركعتيه ، فيصح الوقوف بعرفات وغيره كما ذكرنا ، وكذلك الأغسال المشروعة في الحج تشرع للحائض وغيرها ممن ذكرنا .

                                                                                                                وفيه دليل على أن الطواف لا يصح من الحائض ، وهذا مجمع عليه ، لكن اختلفوا في علته على حسب اختلافهم في اشتراط الطهارة للطواف ، فقال مالك والشافعي وأحمد : هي شرط ، وقال أبو حنيفة : ليست بشرط ، وبه [ ص: 310 ] قال داود ، فمن شرط الطهارة قال : العلة في بطلان طواف الحائض عدم الطهارة . ومن لم يشترطها قال : العلة فيه كونها ممنوعة من اللبث في المسجد .

                                                                                                                قولها : ( وضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر ) هذا محمول على أنه صلى الله عليه وسلم استأذنهن في ذلك ، فإن تضحية الإنسان عن غيره لا تجوز إلا بإذنه ، واستدل به مالك في أن التضحية بالبقر أفضل من بدنة ، ولا دلالة فيه ؛ لأنه ليس فيه ذكر تفضيل البقر ولا عموم لفظ ، إنما هي قضية عين محتملة لأمور ، فلا حجة فيها لما قاله ، وذهب الشافعي والأكثرون إلى أن التضحية بالبدنة أفضل من البقرة ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة إلى آخره .




                                                                                                                الخدمات العلمية