الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                1211 وحدثنا يحيى بن حبيب الحارثي حدثنا خالد بن الحارث حدثنا قرة حدثنا عبد الحميد بن جبير بن شيبة حدثتنا صفية بنت شيبة قالت قالت عائشة رضي الله عنها يا رسول الله أيرجع الناس بأجرين وأرجع بأجر فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن ينطلق بها إلى التنعيم قالت فأردفني خلفه على جمل له قالت فجعلت أرفع خماري أحسره عن عنقي فيضرب رجلي بعلة الراحلة قلت له وهل ترى من أحد قالت فأهللت بعمرة ثم أقبلنا حتى انتهينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالحصبة

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله في حديث صفية بنت شيبة : ( عن عائشة فجعلت أرفع خماري أحسره عن عنقي فيضرب رجلي بعلة الراحلة قلت له : وهل ترى من أحد ؟ قالت : فأهللت بعمرة ) أما قولها ( أحسره ) فبكسر السين وضمها لغتان أي أكشفه وأزيله ، وأما قولها ( بعلة الراحلة ) فالمشهور في اللغة أنه بباء موحدة ثم عين مهملة مكسورتين ثم لام مشددة ثم هاء . وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى : وقع في بعض الروايات ( نعلة ) يعني بالنون ، وفي بعضها بالباء قال : وهو كلام مختل قال : قال بعضهم : صوابه ( ثفنة الراحلة ) أي فخذها يريد ما خشن من مواضع مباركها قال أهل اللغة : كل ما ولي الأرض من كل ذي أربع إذا برك فهو ( ثفنة ) .

                                                                                                                قال القاضي : ومع هذا فلا يستقيم هذا الكلام ، ولا جوابها لأخيها بقولها : ( وهل ترى من أحد ؟ ) ولأن رجل الراكب قل ما تبلغ ثفنة الراحلة ، قال : وكل هذا وهم . قال : والصواب ( فيضرب رجلي بنعلة السيف ) يعني أنها لما حسرت خمارها ضرب أخوها رجلها بنعلة السيف فقالت : وهل ترى من أحد ؟ هذا كلام القاضي . قلت : ويحتمل أن المراد فيضرب رجلي بسبب الراحلة أي يضرب رجلي عامدا لها في صورة من يضرب الراحلة ، ويكون قولها ( بعلة ) معناه بسبب ، والمعنى أنه يضرب رجلها بسوط أو عصا أو غير [ ص: 319 ] ذلك حين تكشف خمارها عن عنقها غيرة عليها ، فتقول له هي : وهل ترى من أحد ؟ أي نحن في خلاء ليس هنا أجنبي أستتر منه . وهذا التأويل متعين أو كالمتعين ؛ لأنه مطابق للفظ الذي صحت به الرواية ، وللمعنى ، ولسياق الكلام ، فتعين اعتماده . والله أعلم .

                                                                                                                قولها : ( وهو بالحصبة ) هو بفتح الحاء وإسكان الصاد المهملتين أي بالمحصب .

                                                                                                                قولها : ( فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مصعد من مكة ، وأنا منهبطة عليها ، أو أنا مصعدة ، وهو منهبط منها ) وقالت في الرواية الأخرى : ( فجئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في منزله فقال : هل فرغت ؟ فقلت : نعم فأذن في أصحابه فخرج فمر بالبيت وطاف ) وفي الرواية الأخرى : ( فأقبلنا حتى أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالحصبة ) وجه الجمع بين هذه الروايات أنه صلى الله عليه وسلم بعث عائشة مع أخيها بعد نزوله المحصب ، وواعدها أن تلحقه بعد اعتمارها ، ثم خرج هو صلى الله عليه وسلم بعد ذهابها ، فقصد البيت ليطوف طواف الوداع ، ثم رجع بعد فراغه من طواف الوداع ، وكل هذا في الليل وهي الليلة التي تلي أيام التشريق ، فلقيها صلى الله عليه وسلم وهو صادر بعد طواف الوداع ، وهي داخلة لطواف عمرتها ، ثم فرغت من عمرتها ، ولحقته صلى الله عليه وسلم وهو بعد في منزله بالمحصب .

                                                                                                                وأما قولها : فأذن في أصحابه ، فخرج فمر بالبيت وطاف فيتأول على أن في الكلام تقديما وتأخيرا وأن طوافه - صلى الله عليه وسلم - كان بعد خروجها إلى العمرة وقبل رجوعها وأنه فرغ قبل طوافها للعمرة .




                                                                                                                الخدمات العلمية