الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة

                                                                                                                1394 حدثني عمرو الناقد وزهير بن حرب واللفظ لعمرو قالا حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام [ ص: 514 ]

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                [ ص: 514 ] قوله صلى الله عليه وسلم : ( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ) اختلف العلماء في المراد بهذا الاستثناء على حسب اختلافهم في مكة والمدينة أيتهما أفضل ؟ ومذهب الشافعي وجماهير العلماء : أن مكة أفضل من المدينة ، وأن مسجد مكة أفضل من مسجد المدينة ، وعكسه مالك وطائفة ، فعند الشافعي والجمهور معناه : إلا المسجد الحرام فإن الصلاة فيه أفضل من الصلاة في مسجدي .

                                                                                                                وعند مالك وموافقيه : إلا المسجد الحرام فإن الصلاة في مسجدي تفضله ، بدون الألف ، قال القاضي عياض : أجمعوا على أن موضع قبره صلى الله عليه وسلم أفضل بقاع الأرض ، وأن مكة والمدينة أفضل بقاع الأرض . واختلفوا في أفضلهما ما عدا موضع قبره صلى الله عليه وسلم ، فقال عمر وبعض الصحابة ومالك وأكثر المدنيين : المدينة أفضل ، وقال أهل مكة والكوفة والشافعي وابن وهب وابن حبيب المالكيان : مكة أفضل ، قلت : ومما احتج به أصحابنا لتفضيل مكة حديث عبد الله بن عدي بن الحمراء رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو واقف على راحلته بمكة يقول : والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت رواه الترمذي والنسائي وقال الترمذي : هو حديث حسن صحيح ، وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صلاة في مسجدي هذا [ ص: 515 ] أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي حديث حسن رواه أحمد بن حنبل في مسنده ، والبيهقي وغيرهما بإسناد حسن . والله أعلم .

                                                                                                                واعلم أن مذهبنا أنه لا يختص هذا التفضيل بالصلاة في هذين المسجدين بالفريضة ، بل يعم الفرض والنفل جميعا وبه قال مطرف من أصحاب مالك ، وقال الطحاوي : يختص بالفرض ، وهذا مخالف إطلاق هذه الأحاديث الصحيحة . والله أعلم .

                                                                                                                واعلم أن الصلاة في مسجد المدينة تزيد على فضيلة الألف فيما سواه إلا المسجد الحرام ؛ لأنها تعادل الألف ؛ بل هي زائدة على الألف ، كما صرحت به هذه الأحاديث : ( أفضل من ألف صلاة ) ( وخير من ألف صلاة ) ونحوه ، قال العلماء : وهذا فيما يرجع إلى الثواب ، فثواب صلاة فيه يزيد على ثواب ألف فيما سواه ، ولا يتعدى ذلك إلى الإجزاء عن الفوائت ، [ ص: 516 ] حتى لو كان عليه صلاتان فصلى في مسجد المدينة صلاة ، لم تجزئه عنهما ، وهذا لا خلاف فيه . والله أعلم .

                                                                                                                واعلم أن هذه الفضيلة مختصة بنفس مسجده صلى الله عليه وسلم الذي كان في زمانه دون ما زيد فيه بعده ، فينبغي أن يحرص المصلي على ذلك ، ويتفطن لما ذكرته ، وقد نبهت على هذا في كتاب المناسك ، والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية