الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                1489 قالت زينب سمعت أمي أم سلمة تقول جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفنكحلها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول لا ثم قال إنما هي أربعة أشهر وعشر وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول قال حميد قلت لزينب وما ترمي بالبعرة على رأس الحول فقالت زينب كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبا ولا شيئا حتى تمر بها سنة ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طير فتفتض به فقلما تفتض بشيء إلا مات ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قولها : ( وقد اشتكت عينها ) هو برفع النون ووقع في بعض الأصول عيناها بالألف .

                                                                                                                قولها : ( أفنكحلها ؟ فقال : لا ) هو بضم الحاء .

                                                                                                                وفي هذا الحديث وحديث أم عطية المذكور بعده في قوله صلى الله عليه وسلم ( لا تكتحل ) دليل على تحريم الاكتحال على الحادة ، سواء احتاجت إليه أم لا . وجاء في الحديث الآخر في الموطأ وغيره في حديث أم سلمة : " اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار " ووجه الجمع بين الأحاديث أنها إذا لم تحتج إليه لا يحل لها ، وإن [ ص: 89 ] احتاجت لم يجز بالنهار ويجوز بالليل ، مع أن الأولى تركه ، فإن فعلته مسحته بالنهار . فحديث الإذن فيه لبيان أنه بالليل للحاجة غير حرام ، وحديث النهي محمول على عدم الحاجة . وحديث التي اشتكت عينها فنهاها محمول على أنه نهي تنزيه وتأوله بعضهم على أنه لم يتحقق الخوف على عينها . وقد اختلف العلماء في اكتحال المحدة فقال سالم بن عبد الله وسليمان بن يسار ومالك في رواية عنه يجوز إذا خافت على عينها بكحل لا طيب فيه وجوزه بعضهم عند الحاجة وإن كان فيه طيب ، ومذهبنا جوازه ليلا عند الحاجة بما لا طيب فيه .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : إنما هي أربعة أشهر وعشر وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول معناه لا تستكثرن العدة ومنع الاكتحال فيها فإنها مدة قليلة وقد خففت عنكن وصارت أربعة أشهر وعشرا بعد أن كانت سنة . وفي هذا تصريح بنسخ الاعتداد سنة المذكور في سورة البقرة في الآية الثانية .

                                                                                                                وأما رميها بالبعرة على رأس الحول ، فقد فسره في الحديث . قال بعض العلماء : معناه أنها رمت بالعدة وخرجت منها كانفصالها من هذه البعرة ورميها بها ، وقال بعضهم : هو إشارة إلى أن الذي فعلته وصبرت عليه من الاعتداد سنة ولبسها شر ثيابها ولزومها بيتا صغيرا هين بالنسبة إلى حق الزوج وما يستحقه من المراعاة كما يهون الرمي بالبعرة .

                                                                                                                قوله : ( دخلت حفشا ) هو بكسر الحاء المهملة وإسكان الفاء وبالشين المعجمة أي بيتا صغيرا حقيرا قريب السمك .

                                                                                                                قوله : ( ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طير فتفتض به ) هكذا هو في جميع النسخ ( فتفتض ) بالفاء والضاد قال ابن قتيبة : سألت الحجازيين عن معنى الافتضاض فذكروا أن المعتدة كانت لا تغتسل ولا تمس ماء ولا تقلم ظفرا ثم تخرج بعد الحول بأقبح منظر ثم تفتض أي تكسر ما هي فيه من العدة بطائر تمسح به قبلها وتنبذه فلا يكاد يعيش ما تفتض به . وقال مالك : معناه تمسح به جلدها . وقال ابن وهب : معناه تمسح بيدها عليه أو على ظهره . وقيل : معناه تمسح به ثم تفتض أي تغتسل والافتضاض الاغتسال بالماء العذب للإنقاء وإزالة الوسخ حتى تصير بيضاء نقية كالفضة . وقال الأخفش : معناه تتنظف وتتنقى من الدرن تشبيها لها بالفضة في نقائها وبياضها . وذكر الهروي : أن الأزهري قال : رواه الشافعي ( تقبص ) بالقاف والصاد المهملة والباء الموحدة مأخوذ من القبض بأطراف الأصابع .




                                                                                                                الخدمات العلمية